الثلاثاء، 25 يوليو 2017
الأربعاء، 5 يوليو 2017
لأننا بشر
لأننا بشر
شلالات تتابع الوجع
هناك الآن صناعات مزدهرة جدا تملأ محافظ شركات الأدوية والصيدلة وهي تلك العقاقير التي تعالج معالجات الألم.. يسميها الأطباء Opioid Crisis ولي أن أترجمها تصرفاً مصيبة إدمان المسكنات.
ما هي هذه الصناعة تحديدا؟
لما يصف الأطباءُ المسكنات التي ذاعت وشاعت، وببعض البلدان يشتريها الزبائن مباشرة من رفوف الصيدليات، مثل المسكنين المعروفين باسم أوكسي-كونتين، والدروكدون، باعتيادٍ متكرر فإن هذا يورث أعراضًا جانبية بعضها صعب كالدوخة والإمساك المزمن واختلال الإنزيمات وفقد المعادن والفيتامينات وربما احتباس السوائل بالجسم، وهذه الآثار الجانبية لها أيضا أدوية تعالجها، وأيضا هذه الأدوية لها آثار جانبية تعالج بأدوية أخرى.
وهكذا في ترادف وتتابع لا ينتهي اصطلحوا على تسميته بالمجرى المتتابع Cascade
وهذه صناعة كبيرة وعريضة ببلايين الدولارات، تجعل شركات الأدوية هائلة الثراء، وتخرق جيوب الأغنياء والفقراء.
ومثله في السياسة بين الدول، تُخلق مشكلةٌ من أطراف مستفيدة، ثم تقوم تلك الأطراف بمحاولة تسكين الأزمات بمعارك وحروب صغيرة، وتلك المعارك والحروب تورث مشاكل كالأمراض والهدم الحضاري ثم تأتي ذات الأطراف بحلول تنهب بها الأموال، وتعقد مشاكل الدول في دوامة دموية وتراجعية ثم تغرق في دوامات أعمق..
وتعرفون من الضاحك السعيد، إنه جابي الأموال، حتى لو كان أيضا جابي الأرواح.
لا يهم!
استمرار الحياة كفيل بإطفاء نيران الأحزان.
استمرار الحياة كفيل بإطفاء نيران الأحزان.
إبراهيم الحلبي أديب سوري شاب يراسلني فصار صديقا.
وصلت رسالة منه تقطر حروفها سوادا، واختفت المعاني الوسيمة التي كانت تتأنق على سطوره. ولاحظت أن براعته الأسلوبية التي يشتهر بها أدباء الشام غاضت كما يغيض الوردُ في حقل جف وخنقته الرمال.
إبراهيم كتب لي هذه المرة واصفا رحلته مع عائلته وقد تزوج وصار لديه ابنتان صغيرتان من الحدود التركية إلى مقدونيا حيث أقام لفترة، ثم استقر الآن حسب وصفه:
"ببلد الثلج والبرود والانتفاء من الوجود الدافئ السويد، بمخيم في ضاحية تبعد عن استكهولم بـ 50 ميلا"..
المهم أن إبراهيم سأل سؤالا وكأنه يقرظ ضميره بأسنانه: "عندما وصلنا الحدود النمساوية استُقبلنا بشرا أحياء بعد أن كنا أكفانا تسير على الأرض تنتظر مشعاب الموت لينغرز في لحم صغيرتي وزوجتي ولحمي، وظهرنا للحياة وتعرفنا على أننا جنس بشري، فاحتفلنا بفرح معجون بشهقة الحياة التي تصل للغريق في آخر لحظة.. فهل يحق لنا الفرح وأنا أعرف أن باقي السوريين مثلي ما زالوا تحت أبواب جهنم التي تنفتح من سماء السعير، ومن إخوتي الذين يأكل لحمهم سمك قيعان البحر المتوسط؟"
كنت أفكر في سؤال الأخ إبراهيم الحلبي ومر بخاطري الطفل سوري الذي أنقذ من تحت الركام بنظارته وقد امتلأت بغبار الركام، وبطفل آخر يعرفه يضمه فرحا، ثم يضع يديه فوق رأسه ويصرخ ويدور فرحا ومضطربا ومذهولا بنجاة حبيبه.
مع كل خوفي ورحمتي لذلك الطفل الذي أنقذت حياته، إلا أن عواطفي أيضا ذهبت للطفل الآخر الذي صار يدور كالدوامة المترنحة يخبط يديه على خديه ورأسه فرحا لأمل كان قد مات وفجأة رآه حيا ماثلا أمامه.
نعم يا إبراهيم، نفرح وسط الآلام عندما يكون وميض الفرح لائحا.. لتستمر الحياة، وحين تستمر الحياة يوما ما يا إبراهيم قد يكون قريبا أو بعيدا ولكنه لا بد آت.
واستمرار الحياة سيكون كفيلا بإطفاء نيران الأحزان.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)