الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

قل لي، أين ذهب عقلي؟

                             
                             قل لي، أين ذهب عقلي؟


عمي كان أذكى شخص عرفته.. ثم بدأ عقله في السقوط بالظلام.


الحقيقة المؤلمة أن مرضَ النسيان - الزهايمر- ليس له علاج، على الأقل حتى يومنا، وفوق ذلك فهو يتقدم ويتطور للأسوأ.. 


البقاء مع عمي، الذي بالكاد يذكرني وأنا ابن أخيه ورافقته منذ وعيت نفسي، ورافقني وخصني صديقًا وأبنا، بالكاد يتذكر أي شيء إلا تهاويم وظلال ذكريات من زمن عميق.


ولكن المفاجأة أني وكل من جلس وجالس عمي يجد جوًا من السكينة والانقطاع عن صخب العالم، إلى بحر من التأمل، ووميضٍ سرّي من السعادة.


عمي كان رجلا أكبر من الواقع- ليس بعيني فقط بل حتى كل من عرفه- وكان نابها ولماحا فوق التصور، وكان متعدد المواهب فوق العادة، فهو أديب ومفكر وفيلسوف ولغوي بعدة لغات وأنثروبولوجي، ورياضي، وثري العلوم، وحافظته ومعلوماته وذكاؤه فيها من الإبهار، حتى صار من صفاته أنه اينسكلوبيديا بشرية.. كما كان تاجرًا، وإداريًا غيّر شركاتٍ للأفضل.


كان عمي موهوبًا فطريًا في الفكاهة ليس له مثيل من كل من عرفت، لا لم يكن ساخرا أبدا ولا ناقدا. ولكنها الفكاهة المقدمة مع المعلومة العلمية أو الأدبية أو الفلسفية أو الاقتصادية


وميزته أيضا التي حاولت عمري الاقتداء بها أنه كان- وما زال- عفّ اللسان، لا يخرج من لسانه إلا وردًا، ولا يعرف سوى الثناء. علمني أن سرَّ جمال الأخلاق القدرة على أمرين: الحب والثناء.


عالم عمي لا أفهمه، ومرة كان يسأل سؤالا متكررا ينزع آخر دمعة من عينَي، ويتساءل: قل لي، أين ذهب عقلي؟
بقيت بين عمي وبيني كلمة نتبادلها: أحبك.


قضى عمره يفيد الناس ويحبهم.
كل شيئ في ذكريات ومخازن معرفته غرقت في بحر الظلام.. إلا قلبه المحب، وعيناه الصغيرتان المتأملتان دهشة في اللاشيء.

أستكين أن عمي يكافؤه ربنا بالسكينة والنسيان

نجيب..

السبت، 4 أغسطس 2018

دماغ شركة الكهرباء

            

                       دماغ شركة الكهرباء

من ضمن المشروع الخاص الذي أومن به تحت وسم #النقطة البيضاء، وهو البحث في الجهات الرسمية والقطاعات الكبرى عن أوجه الإنجاز الإيجابي المثبت واقعا. أما أوجه القصور في أي جهةٍ فلست قلقا عليها فلها الكثيرون الذي يجرون وراء تصيدها


كما أن إيمانا يصل عندي لحدود الجزم أن الثناء على الأعمال المنجزة حتى وأن كانت تقع في صلب الواجب تعطي دفعة نفسية تجعل كل جهة تتسابق كي تحصل هي على الثناء المستحق
فيحدث أمران:


ردة فعل إيجابية ومحفزة للقطاعات الهامة، ويستضئ الرأي العام بالإنجازات المثبتة التي قد تغطيها إثارة النفع والغبار في رياح الانتقاد.- تبدأ النقطة البيضاء تتسع رويدا رويدا في القماش الأسود حتى يأتي يوم تنتشر عليه وتغطى أجزاء ومساحات منه.

موضوعنا اليوم هو #شركة_الكهرباء. وتناول هذه الشركة وفي هذا الوقت دونه خرط القائد. ولكن هنا روح وجوهر مشروع النقطة البيضاء، بأن هناك رجالا منا وفينا يبذلون أعمالا أحيانا لا نتخيل تعقيداتها الفنية ولا صعوباتها الميدانية لكنهم ينجزون إنجازات تصل للإبهار أحيانا.. ولا بد أن نعرف عنهم.


دعوني أحكي لكم عن المشروع المنجز بمبنى شركة الكهرباء بالدمام وهو مركز معلومات من طراز غاية في التقدم لتطوير التشغيل والأداء في كل محطات كهرباء الشركة، والذي سمعت عنه كثيرا فقمت بزيارته شاكرا للإخوة في قطاع التوليد من نائب الرئيس الأعلى إلى كل موظف قابلت وسهل لي مهمتي في القطاع الشرقي بالدمام لزيارة دماغ شركة الكهرباء بل والاكتشاف داخله.. ولقد كان اكتشافا نسيت نفسي فيه حتى أننا تعدينا وقتنا المحدد الذي كنا نخطط له.

المشروع باختصار هو تظافرٌ هندسي لآخر ما وصلت له التقنية في حافتها النهائية حتى وقته. هذا التظافر التقني بين شركة الكهرباء وشركة الطاقة العملاقة جنرال الكتريك التي نفذت المشروع، وشركة كهرباء فرنسا الاستشارية والتي ساهمت بتصميم المشروع. وهو الوحيد من جنسه عالميا.


أما الغرض منه باختصار بلغتي العادية هي في الاستفادة من كل قطرة وقت ومعلومة وطاقة وأداء وكفاءة وتعظيم فائدة للإنتاج، مع الاستفادة من كل هللة منفقة وكل ذلك في التو واللحظة فتكون كل مجريات الأعمال منقولة أمام الشاشة الكبرى في مركز المعلومات، وعند كل مشغل في كل ما يحدث ويصير أمام البصر والمتابعة في كل محطة توليد من محطات الكهرباء الكبرى المتناثرة في بلدنا القارّي.. تصوروا


وبالتالي فإن الوفر المالي سيكون نتيجةً لدقة الكشف والتشخيص والمعالجة عند هذا الدماغ الالكتروني بمئات الملايين


كان الأهم في الموضوع: من يدير المركز؟ هذا ما أبحث عنه، ووجدت أنه شبابنا الوطني.


لما رأيت الشباب السعودي في المركز كنت أسألهم للتأكد من حقيقة قدراتهم، وحيث أني افتقد الخبرة الفنية؟ فكانت أسألتي ظرفية وتساؤلات شخص عامي أمام ما يشبه الخيال العلمي. الشباب تسابقوا بحماسة للشرح لي عن كيفة وصولهم  للمركز من بين ثلاثين ألف موظف.. مهما بدا سؤالي سطحيا. فعرفت أنهم كانوا يلتقون والجواهر ثم يفحصونهم مرارا وتكرارا حتى كانت هذه الصفوة التي رأيتها أمامي.

تسلح الشباب بالتدريب المكثف أيضا من الشركة الفرنسية الاستشارية والمصممة خارج وداخل البلاد .. وأقول لكم-بإذن الله- سيتفوقون يوما على من دربهم.

الرئيس التنفيذي للشركة وصف مشروع الشركة ومحل فخرهم بأنه يتماشى مع الأهداف الطموحة لرؤية ٢٠٣٠ الموضوعة لصناعة لطاقة.

هذا المشروع الجوهرة أقدمه لكم لتروا -وربما لتتحققوا- إن كان يحق لنا الإعجاب بعقول العاملين في كل الشركة.. أم لا؟


نجيب الزامل