الثلاثاء، 6 مارس 2018
لم أُصَبْ بالصمم.. ولكن فقدت سمعي
قبل عشرة أيام وقد كنت قد فرغت من كتابة وسم فجريات في حسابي بالتوتر، فوجئت أن بصيصا من النور بدأ يدخل عبر ستارة النافذة، وتعجبت أن آذان للفجر قد تأخر.
الحقيقة أن آذان الفجر لم يتأخر، ولكن أنا الذي لم أسمع المؤذن وهو يؤذن.
ثم أني، فضولاً، أشعلت جهاز التلفزيون حيث لاحظت أن سكونًا مريبًا يلف المكان. على أن الصوت جاء من جهاز التلفزيون خافتا، ولما لجأت لجهاز التحكم لزبادة الصوت لاحظت إن إشارة الصوت التي تبدو على الشاشة تشير إلى أن الصوتَ عالٍ أصلا.. أصابني الفزع، ما عدا أني مازلت في حالة إنكار بأن الخلل من جهازي السمعي، وليس لأن العالم قرر أن يصمت فجأة.
هنا تأكدت مرتاعًا أن جزءًا كبيرًا من قدراتي السمعية قد اختفت.
وكنت قد أصابتني نوبة برد مع التهاب بالصدر صاحبها قلة السمع، فألغيت كل ارتباطاتي، وكان اسبوعا مليئا بالارتباطات المهمة، بعضها كمتحدث أو مشارك، فقد كان، بتصوري، محرجا لي أن أصرخ على الناس أو أطلب منهم أن يصرخوا علي، فلزمتُ بيتي وطبقت ما وصف به المعرّي نفسه بأنه رهين المحبسين.
تعلمت من حالتي بقلة السمع أن الأصوات أحيانا تلوث صفاء الفكر، وعرفت لماذا خرجت العبقرية من بيتهوفن ومن أديسون ومن مصطفى صادق الرافعي وذلك لأن بهم صمم، أو سمع ثقيل أقرب للصمم.
لماذا يسعى الناس من القدم للانقطاع للتنسك والتأمل لتلمّس الحكمة في الابتعاد عن أماكن بعيدة عن الناس وضجيجهم؟ ذلك ليتسنى لهم عبر انقطاعهم وتأملاتهم استلام وميض الإلهام الذي سيحمًلهم رسالةً لهم وللعالم.
تعلمت، بالدرس الواقع، أن لا نقمة على الأرض.. بل هي ظروف أما أن نقبلها حبسًا ونقَمة، أو نغتنمها فرصةً.. إنعتاقًا وهمّة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)