الثلاثاء، 24 يناير 2017

أبناء المقيمين هل يحملون نفس ولاءنا؟


أبناء المقيمين هل يحملون نفس ولاءنا؟

 

يسأل السيد حامد الحربي:

لقد أشرتَ بكلمتك بجامعة الفيصل بمعرض حديثك عن الولاء في الأنثروبولوجيا، وبودي لو تعرفني عليه تفصيلا؟


كلا، حبيبنا حامد، تفصيلا هذا مبحث يأكل مجلدات. ولكني سأستعرض لك بسرعة المعنى، وهو رأي أراه أنا ولا يعني أنه الصحيح. اعتبره من سائر القول واعْمِلْ به، وقرائي، الأحباب فكركم.


وكنت نتكلم وقتها كما أذكر بنادي أدبي الأحساء وليس بجامعة الفيصل إذا كنت تقصد تلك التي بالرياض، بمناسبة مبايعة للملك سلمان بن عبد العزيز عاهل البلاد.



أنظر أن ولاء الإنسان لوطنه ينشأ بحكم الاعتياد، والاعتيادُ أمرٌ لو انتبهنا له قد يكون من أول وأهم أسس الولاء او الحب. بمعنى لو نشأ ولدٌ من صغره عند عائلة وهو لا يمت لهم بصلة بيولوجية كتبنٍّ أو غيره، فإنه سيحب وينتمي ويكنّ الولاءَ لهذه العائلة كما لو كان ابنهم البيولوجي، وحتى لو فرضنا أن بعد عشرة أو عشرين من السنين تعرف على عائلته البيولوجية لربما فضل أن يستمر مع العائلة التي "اعتادها" أي نشأ بأحضانها منذ وعي على الدنيا.



إذن الولاء الوطن ينشأ أولا وتأسيسا بحكم العادة، وهذا يجعلنا نفكر بأبناء المقيمين معنا من العرب والأجانب الذين ولدوا على أرضنا، هل هم يحملون نفس الولاء للوطن كما نحمله نحن الأصليون؟ مبحثٌ يطول، ولكني أميل أنه نعم يحملون ذات الانتماء في الظروف "المعتادة" إن لم تتدخل ظروفٌ أخرى. ودولٌ كثيرة متقدمة منحت جنسياتِها للمولودين على أرضها وعاشوا بها، وبعضهم فقط لكونهم ولدوا على أرضها، وهذه السياسات الآن تتعرض لإعادة تقييم لما استحدث في المشهد العالمي من ولاءاتٍ أخرى أما دينية أو حزبية.



وهذا الذي سميناه الاعتياد هو المظلة الشعورية، وهي تظل أمرًا شعوريًا مهمًا آخر وهو "الألفة"، بحكم التعارف والتواصل والاطمئنان، والألفة تقود للمحبة، والمحبة تقود للدفاع عمن نحب.



الولاءُ أظهر ما ظهر في الأدب والفكر، فوجدنا في أطمار التراث العالمي من كهوف فرنسا والسويد وما بين النهرين وبعض المناطق التي عثر عليها الأركيلوجيون في المملكة والبحرين وعمان والأردن ومصر، والهند، وشمال أفغانستان على قصائد محفورة وقصص أسطورية وملاحم تفصح عن حب الوطن والقبيلة والعشيرة، وحتى مجموعات الصيد في سهول السافانا.


وأيضا موضوع يستحق التأمل وهو الشعور الحماسي الذي نسمعه في القصائد والأناشيد الوطنية للدول الأخرى، هل نهتزّ لها بوجدانٍ عميقٍ لكون القصيدة أو الأنشودة أثرت فينا كشيءٍ مستقل لا علاقة لها بأي وطن، وإنما أمر وجداني صرف؟ أم أننا نسقطها على أوطاننا؟ 


فقُلْ لي: من لا يهتز وجدانه وطنيا وهو يسمع هذه الأبيات من شوقي؟:

وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عنه       نازعتني إليه في الخُلْدِ 



نفسي

لا أظن أن خليجيا أو مغاربيا أو مشرقيا عربيا لا يهتز قلبه لهذا البيت، هل لأن حب مصر انتقل إليه؟ أم لأنه أسقط كلمة "وطني" على وطنه؟


.. أو، لأن السعودية ومصر وطنٌ واحدٌ، ويجب ألا يفترقا؟!


نجيب عبدالرحمن الزامل

 

الجمعة، 20 يناير 2017

رسالة لابنتي

رسالة_لابنتي

الرسالة الثامنة والخمسون  


حبيبتي: 

متى كانت آخر مرة ظننتِ شيئًا ثم تبين أنك مخطئة؟ 


عليكِ يا ملكة القلب أن تتعودي أن تتٓحرّي الحقيقة وتعرفينها، لا أن تخمنّيها وتظنّي بها. هذه قاعدةُ حياةٍ يا ابنتي. وكيف يتسهل لك معرفة الحقيقة؟ 

ممتاز.. 


من الحكمة أن تبادري بطرح الأسئلة لمعرفة الأجوبة لا أن تخمني الأجوبة قبل الأسئلة. 

كما عليك أيضا إفهام الطرف الآخر، فوق طرح الأسئلة، صراحة بما شعرتِ به أول الأمر. 


عدم طرح الأسئلة فيما يقوله أو يصرح به الآخرون يترك مسافة فارغة غير محمودة للظنون والشكوك والتصورات، وهذا يكون عادة بدافع التسرع والاندفاع مما يشكل خطر سوء الفهم. 


سوء الفهم هذا حبيبتي، أؤكد لكِ، ليس على الصعيد الشخصي فقط بل على صعيد الحضارات السببُ الغالب للكراهية والتجافي والعراك والانفصال والحروب.


كل ما عليك لتفادي خطر سوء الفهم والتفاهم.. فقط، اسألي!


ولا تنسي أني أحبك💌

بابا

الأربعاء، 18 يناير 2017

أنا الإنسان

أنا الإنسان

 في كل خلية مفردة وكل جزء من التركيب الجيني في أجسادنا تنطويملحمة أربعة ملايين سنة من تاريخ الحياة والكون .. فسبحان من خلق!


في التأمل العقلي والوجداني كونيًا خلال أربعة عشر مليار سنة خلقالله فيها الكون بقدرته وعلمه نجد أن الكونٓ ما زال في تشكل سدّميوغازي ومادي، وبهذه المادة المحيرة الشاسعة المسماة بالمادة الداكنة بما يمثل مشهدا مهيبًا؛ قماشٌ أسودٌ يحيط بكل جرمٍ وكوكبٍ ونجمٍ ومجرةوأفلاكٍ ورُجُمٍ وشهبٍ ونيازك.


نجوم ولِدت وتشكلت، ونجوم تفجرت وانتهت بالوعة هائلة للمادة والضوء بعمليات تتسعّر بها انفجاراتُ النجوم وترسل ضياءً يبقى بعد رحيل النجمة بدهور.


 وتكونت أرضُنا من تلك المادة الكونية وصارت صخرة هائلة جوالة بمدارٍلا يحيد حول الشمس بينما تنبعج سطوح الأرض لتبزغ الجبال عبر رحلةالأرض التي ما زال يشوبها احمرار الصهيد، وانفلقت البحار فيمخاض الأحقاب. 


وقارات طفت فوق البحار غرقت وظهرت بصخبأوقيانوسي تحت النظر الكوني، هذه المشهديات الكونية الضاجة هدأت،وارتخت الأرض لتغلف نفسها بالهواء ولتجتمع عناصر تكفل الحياة .. كل هذه عند الصانع الأعظم مر بوقت برقي الإعجاز لا تعيه عقولنا،وندركه بوجداننا وإيماننا جسورا تصل حواف كون روحي. سبحان منخلق!

 فمن أنا؟


 الإيمان والعلم يرفعان الحيرة الفردية البشرية عن السؤال المعلق علىمشجب الزمن: من أنا؟ أنا طينة من خلق المولى الأعظم، في تركيبيالحي يكمن القمر والشمس والماء والهواء والجبل والأقيانوس العميق، أناالإنسان من خلق مترابط من غبار النجم إلى ذرات النهر وسفّ الرمال. 


رابط حيوي كوني واحد بعناصره من خالق واحد ليس له شريك. ولكن .. منذ سحق العلمُ أصغر ذرةٍ إلى أن مسح بمراصده ومجسّاته مردةٓالمجرات، من اكتشاف مادة صخور قمم الجبال الشواهد، ومخلوقاتالأعماق الفرائد، وكشف الإنسان الفخم للخريطة الجينية داخل كل نوعحي اليوم، ينفتح الستار عن أعظم قصة من كل ما عرفناه وتداولناه وتوارثناه من القصص .. إنها قصة خلقنا. 


هذا أنا، الإنسان بأي لون بأي مكان بأي لسان وبأي طبقة معجزة من معجزات ربي تمشي على الأرض عدل الله بيننا جميعا وكرم جنسنا جميعا. فمن نحن حتى نحكم على بعضنا بعضا؟


الهي .. ما أروع السياحــــة فـي ملكوتك.



نجيب الزامل 


الاثنين، 16 يناير 2017

‎رسالة لابنتي

‎رسالة لابنتي

الرسالة الخمسة  والخمسون.


‎"كيف يمكننا محبة ناس بغييضين؟ وأنت أنكرت علي ألاّ أحبهم يا بابا؟"

نعم صحيح يا ابنتي، فإيماني المطلق أن المحبة أصل في بُنية عواطف البشر، كما تقول الفيزياء أن النور هو الأصل وما الظلام إلا انسحاب جزئي للنور.


الله خلقنا كي نكون خيّرين بالفطرة. لذا أتمنى عليك حبيبتي النظر للآخرين بعين الروح كي تصلين لأعماقهم الجميلة التي خبأتها أوهامُ الكُرهِ وهوس المنافسة والخوف من الفشل، بطبقاتٍ لا تخترقها إلا عين الروح.


‎معنى ذلك أن تتركي أول انطباع سلبي عن واحدة تلتقينها لأول مرة،

إنه انطباع عين المادة، لا عليك من زينتها وبهرجها وغرورها وصلفها،

فعين المادة لا تخترق تلك الطبقات التي توصل للقاع الجميل،

 وما أن تتأمليها بعين الروح ستجدين أن حبًا وخيرًا وبداخلها،

 وستعرفين عندها كيف ستلمسين ذلك القاعٓ الصافي، وستؤثرين بها، وسترين أنها ستفرح، ربما أكثر منك، لأنك حررت الحبّ والخيرٓ داخلها.

وسترينها جميلة، طيبة.. وحبّوبة!

‎ولا تنسي أني أحبك💌

‎بابا

الجمعة، 6 يناير 2017

#رسالة_لابنتي (٥٤ )

رسالة لابنتي


الرسالة الرابعة والخمسون

حبيبتي:

جيد أن تسأليني ما سر ارتباطنا ببعضنا كما عبّرتِ "فوق العادة".

وهذا سؤالٌ مذهل لو تعلمين.


ليست علاقة الفتاة مع أبيها، بل في كل العلاقات يا ملكة القلب. السر هو أنني ببساطة أروي قصصي لك، وأنت تحكين قصصك لي.


انظري يا ابنتي أن البعض يقضون مع بعضهم مددًا طويلة ويعتقدون أنهم يعرفون بعضهم، والحقيقة لا. صحيح أنهم يعرفون الخطوط العامة عن بعضهم، فقط عندما نبوح بقصصنا الخاصة لأحبائنا وأصدقائنا، تلك القصص الشخصية القصيرة والملحة التي تجسد المعاناة الشخصية في خضم بحر الحياة، والتي تسترجع اللحظات الجميلة، واللحظات المحزنة والمخيّبة للتوقع، والكشف عن الأماني التي تبدو مجنونة فما يصدقكِ إلا من اتحد قلبك مع قلوبهم، وأزيحي الستار عن أقوى أحلامك.


 نعم، لما نحكي قصصنا الخاصة الواقعية والحقيقية تظهر بلا ملابسةٍ شخصياتُنا الحقيقية في وقائع قوتها ومشاهد انكساراتها، وسرعة إنبعاثاتها، فنكون نحن.. كما نحن، فنعرف أنفسنا أكثر، ونتعرف على رفقائنا، فتنمو العلاقات وتزهو ..


إن لم نتبادل حكي أحلامنا خوفًا وترددًا، فستبقى علاقاتنا يا بنتي صور واضحة.. ولكن بلا أعماق.


ولا تنسي أني أحبك💌

بابا