الاثنين، 13 فبراير 2017

صديقي الإسباني.. الذي رحل

       صديقي الإسباني.. الذي رحل

.. في العاصمة الفيلبينية كان الناس يستوقفونه لجمال عينيه اللتين كانتا بلون عسل أزهار الجمال، ذلك اللون العسلي المذاب بأشعة الشمس المذهبة، وكان يلفت أنظارهم بابتسامته العذبة وأناقته الخاصة، مع وجه تحيط به لحية خفيفةٍ، أخذ اللونان البني الخشبي مع الأبيض الجليدي يتمازجان ليكملا شخصية جذابة توحي بأولئك الفنانين المنقطعين للفنون كرسالة حياة. 


ولما كنا نجلس في أي مكان يبادر الموجودون للانجذاب لشكله وهندامه ولطف إيماءاته، وربما سأل بعضهم: هل أنت أسباني؟ ولكثرة ما ترددت هذه الصفة، أطلقتُ عليه رفيقي الإسباني.


وبالفعل فعبدالله السالم المحفوظ تجد نظراءه في شبه جزيرة أيبيريا، وجنوب أيطاليا، واليونان.



هو ابن خالتي، وكنا ثلاثة تتشكل الحياة بوجودهم لونا يخصهم، ومشاعر تخصهم، وخصالٍ تخصهم .. والتصاق بجمال الدنيا وناسها، وشكر عميق للخالق الأعلى لما وضع لنا ومعنا وفينا من سهولة اكتشاف ما على الأرض من جواهر البشر والخلق بأنواعه وضروبه.


 

كنا نسافر معا غالبا، أو اثنين إن لم توافق الظروف طرف ثالث، نؤمن بالبساطة ومباشرة الناس والتداخل معهم بأنواعهم، وكنا نسعد أن يتحلق حولنا الناس بأي مكان نكون فيه.. وتتعالى الضحكات، ورائدنا دوما في إضحاك قلوب الناس قبل أفواههم هو الحبيبب عبدالله.


كان الطرف الثاني، هو أول من سبقنا مغادرا الحياة بعد أن تقبل مرض الرحمة برضى وسكينة، وهو صلاح السحيمي ابن خالي، رفيقي الدائم وصديقي الصدوق، رحيله هز الأرض من تحت قدمٓي.. بعدها لم أعد أسير باتزان


عوّض غياب صلاح بالنسبة لعبدالله ولي وجودنا مع بعضنا وحبيبنا الرائع أخوه سليمان شكل لطفا قويا في قلبينا، كما أنه ارتبط بأخيه عبدالله ارتباطا صمغيا حتى كادا لا يفترقان..



عبدالله إنسان فوق العادة بصفتين أخريتين، وهما المحبة والرحمة الصافيتان. فهو رئيف بكل روح، وتحب أن تحبه كل روح.. بالفلبين كان صغار يتسولون في الساحة بين فندقنا والسوق، بناتٌ وأولادٌ صغارٌ يسألون الناس، فإذا بامرأة تضرب طفلة على رأسها بحقيبتها، ورجلٌ يركل صغيرة كما تركل الكُره.. عبدالله ذهب للصغار وصار يغني ويقوم بحركات مضحكة لهم حتى أننا وصلنا السوق ونسى الصغارُ أن يمارسوا التسول معنا.. الغريب لما خرجنا تركوا "عملهم!" وجروا نحونا وهم يقلدون حركات عبدالله ويتضاحكون وأوصلونا فندقنا بدون أيضا أن يسألوا نقدا، كما يعملون مع الآخرين.


وصارت جوقة الأطفال تتابعنا مجيئة وذهابا كل يوم يضحكهم عبدالله بحركاته وهم يقلدونه، وضحكاتهم البريئة تتعالى في الجو. ثم صار عبدالله يصر أن يفترش مكانا معهم، ونأكل معهم ما نحضره من طعام طازج ربما يتذوقونه لأول مرة بحياتهم.. وربما لآخر مرة. 

المنظر الحزين كان ونحن نغادر للمطار. اصطفت جوقة الأطفال أمام الفندق حزينة بعيون ودامعة يعرفون أن هذا الإنسان المغادر يعني أن سعادتهم بأن يلتفت لهم أحد ويحبهم.. سترحل معه.



أمي الحبيية تحب عبدالله حبا خاصا وهو يحبها كذلك.. تحبه لتعلقه بحب أسرته الصغيرة من زوجةٍ محبةٍ، وفتاتين رأيا بأبيهما كل شيء بالدنيا، ورأى بهما كل شيء بالدنيا، وبرعايته لأخت الوالدة الكبرى، أمُّه، رعاية يغطيها بعينيه، حتى رحلت خالتي راضية عنه وعن اخوانه وأخواته.. 

نحن نرى أمنا قريبة لله كثيرا، وكانت وهي تترحم عليه تقول: "ابني الحبيب عبدالله يغبط على قربه لربِّه".

إذا يا حبيبي عبدالله أمي تقول عنك ذلك.. فليتك تخبرني ما مدى قربك لله؟

ولعلك الآن يا حبيبي، بأمر الله جلّ وعلا، في روضٍ مزهر.

وبرجاء الملتقى حبيبي عبدالله فإني لن أودعك.. وسأكتفي بمكابدة الشوق إليك.

اخوك المشتاق،

نجيب عبدالرحمن الزامل


الخميس، 9 فبراير 2017

أربعُ سنوات ونحن معًا

أربعُ سنوات ونحن معًا

لماذا ينبغ بعض القياديين؟


 لأنهم يملكون الشخصية الجيدة، والجمالية الأخلاقية، ولأنهم يملكون الثقة وقت الأزمات والصعوبات في المرور مع من يشرفون عليهم ببراعة من أنفاق هذه المُلمّٓات والتواءاتها. 


وبمقدرتهم مراقبة ومعرفة نقاط الضعف والقوة في من يعملون معهم وفي أفراد ومجموعات المجتمع العام. 

وهم يملكون القدرة النادرة على لجم الغضب والاندفاع بدواخل أنفسهم فيبدون خارجا كسطح البحر الرهو وفي الأعماق تضطرم أمواج مكبوحة، فتصفى رؤيتهم وتتجلى أفكارهم في اتخاذ القرارات السريعة الصحيحة في المواقف الحاسمة.



هؤلاء القادة النابغون يمتلكون أمرًا بغاية الحساسية وهي ادراكهم لذكاء الشارع، أو ذكاء رجل الشارع، فتنطلق رؤاهم من احترام ذلك الذكاء، فأكبر أخطاء القياديين الآخرين تحجيمهم لذاك الذكاء فتفاجئهم قرارات يأخذونها  برودد أفعالٍ ضدها تربكهم وتربك إدارتهم،

القادة النابغون يمكن أن يوجدوا أمام زحام الجماهير، أو بين آلاف التقرير وبحس تلقائي يستطيعون بمسح بسيط أن يتبينوا الأرضية التي يجب أن يقفوا عليها أو المنصة التي يجب أن ينطلقوا منها.



وأهم صفات القادة النابغين الانضباط الشديد واحترام الوقت، فالكونُ كله مبنيٌّ على هندسة الوقت والزمن، وهذه أجل الصفات وتاجها.



عشنا معك يا أميرنا الحبيب سعود بن نايف بن عبدالعزيز أربع سنوات.. خلالها عرفنا معنى القائد النابغ.

والسلام



نجيب عبد الرحمن الزامل


السبت، 4 فبراير 2017

رسالة لابنتي

رسالة لابنتي


الرسالة الثانية والستون 



حبييتي: 


هناك غفوة تأتي من دواخلنا، فننسى أصحابًا،

أو ننسى جميلاً أو معروفًا، أو ننسى مناسبةً لحبيب، أو نتناسى الوصل العائلي، ونتناسى شيئا من القيم والأخلاق، ونتناسى اللطف الحلو المذاق.


ونتناسى بناء ذواتنا وتطويرها في القراءة والاطلاع.


ونتناسىالإيمان بالعمل، وأنه لا تنفعنا إلا أعمالنا. 



لذا علينا يا حبيبتي أن نفتح الباب على الطابق الداخلي في بنائنا الذاتي، ونزيل ما علق بجدرانه من آثار الغفوة الداخلية.


أنزلي لطابقك الداخلي ونظفي حوائطه لتعود بيضاء لامعةً كما كانت في البدء والأصل.


واصلي عملية التنظيف في قاع أرضه ليكون براقا صافي النظافة.

ورتبي محتوياته ليكون في الرفوف العليا كل القيم الجميلة والسلوك الراقي.


ثم افتحي نوافذه، ليدور في المكان الهواء نقيا رقيقا، وليتدفق الضوء فيطهّر وينير بيت نفسك الداخلية.


وحينها ستجدين أنكِ صرت خفيفة تحلقين بمجازات الجمال والسعادة والرضا. 


ولا تنسي أني أحبك.

بابا