الثلاثاء، 18 أبريل 2017

رواقُ فوزية..


 

رواقُ فوزية..

 

لم تكن زيارتنا لتونس أخواي جمال ومحمد وأنا طويلة، فلم تتعدى ثمانية وأربعين ساعة، ولكنها بالزمن العاطفي تحسب بما يبدأ ثم يبقى معك، حتى يكتب الله لك أمرًا مقضيا.


وما أصدق أينشتاين بنسبية الزمن، وكأن العواطف والرياضيات يجرون بمضمار كوني واحد.

بدأ الموضوع من الصديق الدكتور صالح السحيباني أمين عام المنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر، ويده اليمنى السيدة هوازن الزهراني، الذين دُعِيا لجامعة الزيتونة في تونس العاصمة، ولفتهما عراقة معهد الحضارة الإسلامية التابع للجامعة. ولاحظا تآكل وتداعي مكتبتها التي هي عقل المعهد منذ تم تشييده. وحز بهما أن تكون مكتبة تابعة لجامعة من أعرق جامعات العالم الإسلامي بهذه الحال. 


ولن أنسى لهما جميل الظن بأن مشروع تجديد وتأهيل المكتبة ربما يهمني لكوني مهتما بالتراث الإسلامي في الأندلس وشمال أفريقيا، وعرضا الأمر علي، إلا أن أكثرنا حماسة كان أخي الأصغر محمد.


ولمحمد بالذات حكاية تروى مع المعهد ومدير المعهد وأساتذته وتلاميذه، فقد سبق أن ذهب محمد قبلنا بأسابيع للإعداد للمشروع والإطلاع على ما تحتاجه المكتبة لتخرج حسناء رافلة بالثياب القشيبة من المظهر والكتب. وتمّ كل شيءٍ بسلاسةٍ غريبة، فلم تصادفنا عائقة واحدة رغم كل ما يقال عن البيروقراطية العربية والتجمد الأكاديمي، وما توقعناه خطأ أنهم قد يأنفون أن يقوم بهذا العمل متطوعون من خارج تونس.. على أن كل شيء جرى كنسيمٍ بحريٍّ لطيف في أول الربيع.



لما وصلنا تونس، تفاجأنا ببساطة البناء بكل شيء، فعينَيّ ارتاحتا قبل قلبي، فلا ناطحات سحاب تسد الأفق، كلها بنايات صغيرة بيضاء تعانق الأرض، ثم أن تونس فيها نظافة لافتة، فقد دخلنا ازقة فقيرة، نعم فقيرة.. ولكن في غاية النظافة. وقطعًا شعبٌ نظيف هو شعب راقٍ.


وبمكتب الدكتور المعروف عبداللطيف أبو راس رئيس المعهد الذي يدرس به طلاب من ثمانية عشرة بلدا، كان معنا متطوعون من قطر يتقدمهم معالي الدكتور الفخم فعلا محمد المعاضيد.. إلا أن البوعزيزي كاد أن ينسى روح المجاملة وغرق بوصف حبه وإعجابه وتعلقه بمحمد حتى توقعناه أنه لن بنتهي إلا بعد ايام.. وفيه نفسه شيء من محمد. فشعرت بالغيرة وقلت ضاحكا للحضور: "هيا نحتج وننصرف". على أن أحدًا منهم لم يتزحزح.


بوقت المحاضرات، بقاعة جميلة حنونة ملمومة بسيطة تراكب فيها الطلبة والأساتذة كتفا فوق كتف، تكلم أولًا السيد الدكتور المعاضيد وأفصح عن قليل بما في دماغه المعرفي الثقيل، ثم تلاه الدكتور السحيباني الضليع لغةً وخطابةً وقفزت عيناي من مغارتيهما وأنا أراه يكتب قصيدة من رأسه مباشرة على الورق، ثم قرأها فالتهبت الأيادي بالتصفيق.


ولما جاء دوري قلتُ للجمع:"من يُحشَر بين عبقريين يضيع". فما وجدت لنفسي مخرجاً إلا أن أحاضر عن الحب. حبُّ الله أولًا، ثم حبنا لجامعة الزيتونة ومعهدها، وحبنا لحضارتنا العربية، وحبنا الإنساني الذي جمعنا تحت سقف القاعة التي تحولت قلبا واحدا ينبض حبا، وحب معالي مدير المعهد وأساتذته وطلابه لمحمد الذي لا يكاد يسير من التمامهم حوله. 


ولم ينس أخي جمال أن ينوه – بما أنه مدبِّر المال- بأن يذكر بأنه حرص على توسيع المشروع بآلات متناظمة من الحواسيب، وأردف: "سنحافظ على المعهد"..ثم ضحك: "حتى لو تخلى عنه نجيب!"


وجاء وقت الدموع لما بدأ أقدم خريجي جامعة الزيتونة الأحياء، المفكر الإسلامي "شريف محمد قلنزة" بإلقاء خطاب بديع الفصاحة بالعربية، ثم دعا لزوجتي طويلا.

نعم فقد تم اختيار اسم زوجتي التي علموا بقلقي عليها لتسمَّى المكتبة "رواق فوزية".


ولما أزيح الستارُ عن اللوحة التذكارية وشاهدت اسم زوجتي رفع الله عنها، غُمَّ علي.. ولم أعد أرى من الدموع.



نجيب عبدالرحمن الزامل


الجمعة، 7 أبريل 2017

زمن المعجزات


           زمن المعجزات


منذ فترة كتبت عن الإيمان بالمعجزات، مؤكدا على أن زمن المعجزات باق لا يزول، وأمضي الآن زاعما بأن من لا يؤمن بالمعجزات فهو ليس واقعيا! 


البشر، منذ القديم وهم يقطعون الصحاري ويشرعون في البحار، ويتبعون البوصلة والنجوم في عرض المحيطات، ويعبرون الأنهار، ويتسلقون الجبال، ومشوا على القمر، وأرسلوا المجسات إلى كواكب المجموعة الشمسية.. هذه كانت، قبل أن تصير وقائع في المخيلة، من المعجزات.



ستجد من يسخر من كلمة معجزة، ويعتبرها شيئا من الخرافة المعطلة للعقل في ظل هذا العالم الذي يحكمه العلم وتسيره وسائل التكنولوجيا. 


ولكننا نؤمن بأن المعجزات ما زالت تحدث وأنها لن تقف أبدا عن الحدوث. والسر هو.. الإيمان العميق!



إن الإيمان بالمعجزة، هو دافع للعمل لتحقيق النجاح، فالإيمانُ أقوى من الأمل، لأن الأمل هو تمني الشيء بأن يحصل، بينما الإيمان هو الاعتقاد بأنه سيحصل، والفارق كما ترى فارق شاهق. 


إننا، مثل أي أمة في الدنيا، لنا مشاكلنا وصعوباتنا الحياتية المختلفة اجتماعيا واقتصاديا ومعاشيا، وهذه دعوة بأن ننشد البلوغ إلى الإيمان، وذلك بالعمل الجاد والتفاؤل العميم لتحقيق معجزة أن تقوم أمتنا، أمة في صدر صف الأمم.. 



القوانين الحتمية التي تصنع معجزة النجاح وتخلع عنا أدران البطالة والتأخر ليست بسن القوانين الإلزامية التي تصدرها الأنظمة الرسمية لمواجهة مشكلة ما، ولكنها القوانين الحتمية التي نصلها بالعمل الجاد والنية الصادقة والجهد الذي لا ينقطع.. والإيمان بأنه لا شيء يهد من عزمنا. 


أن نؤمن بأن الزمن الذي نودع فيه السلبية ونستقبل فيه الأمل المجبول بالعزم والتصميم قادم، ولن يأتي من حاله إن لم نحرك نحن مولداته. هناك كثير من العمل ينتظرنا، وكثير من الإبداع في عقولنا يريد الخروج، وفيض من الذكاء يعمر الرؤوس، ويبقى لنا أن نؤمن ونثق بأنفسنا بأننا نستطيع العمل لتحقيق ذلك، وهذا يحتاج إلى أن نزيد من مساحة التشجيع، وأن نمسح مساحات التحذير والموانع وإنذارات التأنيب والعقاب.. 


فإن العقل والعمل لا يعملان إلا في أفق مفتوح.


نحتاج إلى التغيير، كل لحظة أو درجة تغيير إيجابية ستوجد فارقا هائلا للأمام.. 


هل أتكلم عن معجزة؟ نعم، وأنا أؤمن بالمعجزات!