الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

ما سبب زيارة الملك للمنطقة الشرقية؟!

ما سبب زيارة الملك للمنطقة الشرقية؟

"إن سبب قوة الملكية واستدامتها بشكل قوي وراسخ أنها تتسم بالوضوح كحكومة. وكل الجموع البشرية تفهمهما بتلقائيتها، وصعب أن تفهم شعوب العالم نظاما غيرها."

لحظة! لست أنا من قال هذا الكلام أعلاه. بل قاله "والتر بيجهوت" وهو كاتب صحفي إنجليزي، وفنان، ورجل اعمال، ومحسن خيّر، من اعلام المجتمع البريطاني المثقف في القرن التاسع عشر.


ولاحظوا شيئا آخر.. قد يخطر عند البعض التفكير بأن هذا الرجل قديم من أوائل القرن التاسع عشر، وأن الملكية هي السائدة والرائجة. لا.. على العكس تماما، منذ نهاية القرن الثامن عشر وأوربا تغلي ضد الحكم الفردي بأنواعه، وتثور ضد الإقطاع والملكية واللاهوت الكنسي. فإن أم الثورات التي غيرت وجه الدنيا السياسي هي في هذه الفترة بالذات، وفي هذه الفترة خرج أكبر فلاسفة الثورات ودور الشعوب في الحكم ولكم أن تعودوا لمصنفات جان جاك روسو وفولتير التي قادت أفكارهما للثورة الفرنسية ضد الملكية، وانقلبت كامل أوربا والولايا المتحدة ضد الملكية بكل صورها.. إذن لا يمكن أن نقول أن ما قاله السيد "بيجهوت" لا ينطبق على الحالة الحكومية السياسية في عصرنا الحاضر. كما أريدكم ن تعلموا أن السيد "بيجهوت" لم يكن مما كانوا يسمون بفترة حكم الملكة فكتوريا بالملكيين، أي المفكرين وأصحاب الرأي والمؤثرين الذين ينافحون عن الملكية. السيد "بيجهوت" كان معارضا قبل وصول فكتوريا للحكم، وكان يعترض على الأسلوب الارستقراطي الطبقي البريطاني.. لكنه يرى أن الغريزة السياسية عند كل الناس هي فهم الملكية وعدم فهم غيرها.


من القديم قدّم الناس شخصا بعينه تتوجه له الأمور في الحرب والسلام والحكمة، وتمد له واجبات الاحترام والطاعة. ويتضح جليا حتى بالشرق القصى، فالصين ومنشوريا -كوريا والمناطق التي حولها- لم تعرف إلا الملكية. وصُفَّ الملك باليابان (الامبراطور) بمصاف يقارب تخوم الآلهة، وليس في العصر الغابر بل في العصر الحاضر، فهيرهيتو الامبراطور الراحل كان يُسمى بابن الشمس، والشمس في الديانة الشنتوية مقدسة، لذا كانت فجيعة اليابانيين لا توصف ليس بالقنلتين الهائلتين اللتين دمرتا نجازاكي وهيروشيما، كانت فجيعتهم الكبرى لما وضع الجنرال "ماك آرثر" الأمريكي المنتصر في الحرب العالية الثانية قدميه فوق طاولة تماما قرب أنف الأمبراطور الأشم.. ولم يرحم كما تقول العرب عزيز قوم ذل!


في زيارة خادم الحرمين الشريفين للمنطقة الشرقية الكل يتحدث من ناحية ظاهرة، في الاقتصاد وفتح المشاريع، ولكني كما قلت فبأكثر من مكان وبمقابلة أمس بالتلفزيون السعودي أننا يجب أن ننتبه بأن ما لانرى أهم مما نراه، فالهواء لا نراه وهو أهم عنصر بوجود الحياة. انظر أن الأب يعطي أولاده، ويدرسهم، ويسهر على نموهم الصحيح. ولكن هذه كلها منظورة، الشيء القوي الذي لا نراه هو غريزة الأبوة بالحب والحنان. فقولوا لي: من يرى الحب؟ من يرى الحنان؟


إذن بما أحسبه أكيدا أن خادم الحرمين الشريفين ليس السبب الأول بزيارته للمنطقة الشرقية لفتح المشاريع، ولا ليستعرض بها. فهل يستعرض الأب بتدريسه لابنه مثلا؟ على العكس يريد دوما أن يقدم لابنه أكثر ويراه دوره الأبوي بلا مِنة، وكذلك الملك، فالمشاريع موجودة، وستأتي بإذن الله مشاريع أكثر، وتدشين المشاريع يمكن أن تتم عن بعد لو أراد. الحقيقة هي فيما لا نراه بزيارة الملك وهي الأهم، من دافع حب الملك لأبنائه بالشرقية والترتيب على أكتافهم بأنه رغم صعوبة المرحلة التي لم تمر المملكة بمثلها من قبل، إلا أنه موجود لهم يحبهم، يحدب عليهم، يطمئنهم بأنه معهم في الخير وفي الظروف الصعبة، ويحبهم كبقية أبنائه في مناطق البلاد.

لذا أثر زيارة الملك التي لا نراها ، هي التي "سنراها" بعد زيارته في التغير النفسي العام، وفي الراحة والسكينة والاطمئنان والمزيد من الانتماء.. المزيد من الحب والشكر.



نجيب عبدالرحمن الزامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق