السبت، 24 ديسمبر 2016

كيف يُساءٓلُ العلماءُ الشرعيون؟

كيف يُساءٓلُ العلماءُ الشرعيون؟

ورد هذا التسأؤل من م. ع. البيشي؛

"الجيل الجديد المعاصر من المسلمين يواجه في حياته اليومية مواقف وأسئلة لم يعرض كثير منها للأجيال السابقة من المسلمين، فمن ينقذنا من حيرتنا؟"

لا شك أن الأجيال العصرية تواجه كثيرا من الحيرة والقلق وهم يحاولون أن يجدوا المخارج والحلول للمواقف المستجدة، وهم يحاولون بكل جهدهم أن يهتدوا لأجوبةٍ وحلولٍ تحفظ عليهم دينهم، دون أن يقلعهم ذلك من عصرهم وزمانهم.


ولا غرابة في حيرة الشباب اليوم، وأجيال ستأتي بعدهم، كما احتارت أجيالٌ جاءت قبلهم. فالدنيا تتحرك بسرعة فوق قدرة استيعابنا وإدراكاتنا في ميادين حياتية متعددة، فإننا اليوم بعالم غير الذي نمنا عنه بالأمس، وغير الذي سنصحو عليه في الغد. 


أشكال العلاقات ونظم المجتمعات والمعاملات التي لم تكن معلومة في صدر الإسلام، ولا في زمن الأئمة أصحاب المذاهب تقتحم على الجيل الحاضر حياته مع الحدود المفتوحة على كل الشعوب والحضارات والفنون والتقنية ووسائل الاتصال.


وفي غيبة الأجوبة المقنعة ستكون الأجيال بين موقفين لا ثالث لهما:

الأول: أما أن يرفضوا كل هذا الجديد ويعلنوا مقاطعته إيثارا للسلامة وابتعادًا عن الشبهات، فتتحرك الدنيا وهم واقفون، وتتقدم الشعوب وهم جامدون. فتنتقل القدرة من الأيدي المؤمنة إلى إيادٍ أخرى لا تؤمن بما تؤمن به أجيال المسلمين


الثاني: وأما أن يغامروا بدينهم فيقبلوا كل جديد بعلاّته، ويخوضوا بلا تحفظٍ مع الخائضين، فينخلعوا، وهم لا يشعرون، من كثيرٍ مما جاء الاسلام ليعلنه ويثبته ويحافظ عليه.


وكلا الموقفين لا يرضي عنهما الله ولا يرضى بهما المؤمنون، فأحكام الإسلام وشريعته هي أوامر الله التي أوجب إقامتها. وتتطور الحياة وتغيرها وتقلبها باختلاف الزمان هي من سُنن الله، ومن الاستحالة أن يصادم شرعُ الله سُنّةٓ الله.


علي أن شرح المنطق الحقاني في مسألة الاجتهاد حسب فهمي، وهو أن يتصدى العلماء الشرعيون لكل موقف أو ظرف أو نظام مستحدث بأن يقيسوه على مبادئ الإسلام ونصوصه ومقاصده العامة فيُرفض أو يُقبل. وما لم يشهد له شاهد من النصوص ولم يصطدم بأيٍّ منها، يُترك على الإباحة الأصلية التي تشير إليها الآيات:"وقد فصل لكم ما حرم عليكم" وقوله تعالى:"وأحلّ لكم ما وراء ذلك". فإن شاء الناس أخذوا به أو تركوه بما تمليه عليهم مصالحهم.

ولا إثم عليهم ولا حرج.


يقول ابن القيم في "مقدمة الطرق الحكيمة": ( والذي أحدث لهم ذلك- أي العجز عن الاجتهاد- نوع من التعقيد في معرفة الحق ومعرفة الواقع وتنزيل أحدهما عن الآخر)

فإذا كانت معرفة الوقائع عسيرة في عهد ابن القيم المتوفى بنهاية القرن الثامن الهجري فهي بالأكيد أشد عسرًا في زماننا الحاضر.


وهذا ما يجعلنا نطرح قضية الاجتهاد والفتوى بأنها لا يمكن أن تخرج بكل الصحة من الفرد الواحد أو العقليات والمعارف المتشابهة بل صار من الضروري أن يتظافر معها علماء الإحصاء والمجتمع والاتصال والاقتصاد والطب ومختلف العلوم المتصلة بأي نوع من اجتهاد وفتوى.

هذا ما نطلبه ونرجوه من علمائنا الشرعيين الذين نحبهم ونجلهم ونرفع مكانهم حيث أمرنا وأدبنا الإسلام.


والإمام ابن مالك يقول: " أن العلماءٓ يساؤلون يوم القيامة عمّا يُساءٓل عنه الأنبياء".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق