الجرأة التي صنعت العالم كما نراه
الجرأة التي صنعت العالم كما نراه
سأجيب على بعض الأسئلة التي تراكمت لدي، وأخذتني الظروف عن الإجابة عليها في حينها، كالعادة في حسابي بالتوتر عن طريق #رشقات_معرفية. والبعض الآخر الذي يتطلب إسهابا أكثر عن طريق مقالات صغيرة مثل هذه الذي أجيب فيها على تساؤل الدكتورة رحاب من البحرين، والتي تقول فيه:
"تناقل متابعوك قولك في برنامج تلفزيوني: "لا يصنع العالم إلا الحالمون". وبما أني اخصائية في تسجيل وتحليل الأحلام ضمن العلاج العصبي الدماغي فآمل ان تصور لي معنى الحلم والحالمين برأيك، وأعرف ماذا تقصد بالأحلام وربما هي الطموحات والآمال، وليس ما يقع في حقل تخصصي العلمي والعملي."
الإجابة:
أشكرك يا دكتورة رحاب على إبعادنا عن التحليل السيكاتري وحقل المخ والأعصاب لأتحدث لك، في رأيي، عن الحلم بمعناه الإنساني الصرف.
إني أرى الحلمٓ د. رحاب يجب ألا يكون "واقعيًّا" وليس كما يتردد عند من يسمون نفسهم بالواقعيين أن يكون الحلمُ واقعيًّا.
لماذا؟
لأن الواقعٓ هو ما عرفناه مسبقًا ونعيشه حاضرًا. مهمة الحلم، أو الحالم بشكلٍ أدق هي مثل اكتشاف أرضٍ لم نكن نعرفها من قبل، أو طموح لم يسبق لنا حتى تخيله، أو بُعْدٍ كنا نظنّ بعدم وجوده، أو لم نتصور حتى إمكانية وجوده. ثم بعد أن يتحقق الاكتشاف، ويتم الوصول للطموح، وإثبات البُعد الذي لم نعِ بإمكانية وجودة، تنتقل كلها من حيّز الأحلام التي تجرأت على كشف سجف ما وراء الواقع، إلى منطقة الواقع المُعاش والمُدرك والمعروف، ثم يصبح شأنًا "واقعيا" اعتياديا لنا ولأجيالٍ من بعدنا.
وهذا يعني يا دكتورة - وكأنها الفوضى المنتظمة- لا يتحقق الواقع بالواقع.. بل يتحقق الواقع بنقيضه!
وترين يا دكتورة، الحالمون هم من يغيرون العالم، فتغيير أي واقعٍ كَبُرٓ أو صغُر هو تغيير في العالم حرفيًا.
الحالمون، لأن واقعًا ما لم يرضهم، عملوا بخيالهم -
وأريد التنبيه أن لا خلط هنا فالحلم الذي اقصده هو حلم اليقظة المبدع والخلاق أي الخيال- على إيجاد أو صنع وقائع جديدة لم تكن موجودة إلا في أحلامهم، وهذه الأعمال كي تكون واقعيا حيّا يراه ويلمسه الجميع ويستفيدون منه، لا يأتي إلا بالطرق الصعبة الشاقة وبتسلق مزالق شاهقة الارتفاع وأحيانًا بأدوات ناقصة ربما ليست موجودة في الصعود العادي للجبال، وهذا يتطلب مقدرة خارقة على الصبر والجهد والعرق..
وكثير كثير من الإيمان بأحلامهم.
إن كامل الحضارة الإنسانية انتقلت من واقعها الأول إلى موقعها المتقدم بأمر الله بفضل المخترعين والمكتشفين والمصلحين من الأنبياء والرسل، إلى المصلحين الاجتماعيين والسياسيين والدينيين.
كل ما تم من إدهاشات في المدنية الإنسانية بسبب امرأةٍ جرّأت أن تحلم، أو رجلٍ جرأ أن يحلم.
نجيب عبدالرحمن الزامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق