في "صدارة" لما كاد الأنصاري يقع من على كرسيه!
* في هذه المدونة أضع أعز مقالاتي على قلبي.. كلها مني، بلا رقيبٍ ولا محاسبٍ.. إلا ربي.
في "صدارة" لما كاد الأنصاري يقع من على كرسيه!
"الصدارة ليست في الأعمال التجارية والصناعية بل يجب ان تصاحبها الصدراة الإنسانية أيضا".
لو يصح الكلام أعلاه فستكون الدنيا كما تردد أمي تمطر السماءُ ليلًا، وتشرقُ الشمسُ نهارا. كل أماني محبي العمل التطوعي الذي يغير في النفوس فتغير النفوس العالم المحيط بها، والأوسع بذكاء إنساني وبمبادئ أخلاقية، يتمنون أن تعتنق الشركات التجارية والصناعية والخدمية العملَ التطوعي في أحضان ضميرها وليس بهيكل إدارتها. ولا أقصد موضوع المسؤولية الاجتماعية، فهذه مسؤولية واجبة على الشركات أما بسبب القانون أو الإجراء، والرغبة في أن يتقبل المجتمع الشركة ويقبل ما تنتج. ثم أن المسؤولية الاجتماعية تأتي بقرار فوقي من أعلى هرم التكوين الإداري بالشركة، لذا فهو ليس عملا تطوعيا ولا شبيها له بأي حال، مع أنه طبعا من الأعمال الجميلة والناصعة والمفيدة للمجتمع وللشركة معا.
التطوع لا يعدو عن هذا التعريف بأي حال:
"أن تكون في قلبك رغبة خدمة مجتمعك ونقله لواقع أفضل بأي وسيلة تستطيعها، وأي معرفة تملكها، وتقوم بها سعيدًا راغبًا من إرادتك الذاتية.. وبدون (أي) مقابل."
لذا قلت يتمنى محبو العمل التطوعي ومن يؤمنون بقوة تأثيره، والذين يوقنون أن محركي ومغيري العالم هم المبادرون المتطوعون، أن يروا شركةً بها أفرادٌ هم من أنفسهم يتجمعون لتشكيل فريق عمل تطوعي منظم، ولا تعترض الشركة على ذلك، وأقصى الأحلام أن تفرح الشركة بهذه التجمع التطوعي وتحتضنه بدون أن تتدخل بطبيعة أعماله ولا تملي عليهم إرادتها، فتدعمه وتفخر به كفخرها بما تنتجه وبقوة حجمها في السوق المحلي أو العالمي.. على أن هذا كما أقول لنفسي دوما أنه من أضغاث الأحلام.
من قال أن أضغاث الأحلام لا تتحقق؟
شجع الدكتور محمد الأنصاري العقلُ الإنساني الكبير أن نستجيب، هو وأنا، لتلبية دعوة أخينا السيد فيصل بن سعد القرون، نائب الرئيس للعلاقات العامة بشركة صدارة. وشركة "صدارة" للكيميائيات عبارة عن تحالفٍ فريدٍ بين شركتين رائدتين بعالم الصناعة، وهما أرامكو السعودية وشركة داو كيميكال "داو"، اتحدتا بهدف تغيير قواعد اللعبة بمجال صناعة الكيميائيات، مجمعٌ عملاقُ من تسعةٍ وعشرين مصنعا بآخر ما وصلت له التقنية العلمية في مجال الصناعات الكيميائية، ويعتبر من الأكبر في نوعه في العالم، والأكبر أكيدًا بالشرق الأوسط والعالم العربي.
تصوّروا أمرين:
أ- الشركة رأسمالها 75 بليون ريال، مشروع من أضخم المشاريع العالمية ومسؤولية إدارتها بحجم مسؤولية إدارة دولة صغيرة.
ب- الشركة حديثة الإنشاء بدأت تمشي الآن لعامها الثالث، وما تراه على الموقع مشهد مهيب من الأدغال الصناعية من الأنابيب والمعامل وشبكات التوصيل والمعالجة والخلط وكأنك دخلت دنيا العجائب المستقبلية.
فكيف يكون عند موظفيهم بهذين الظرفين التفكير والوقت لعمل تطوعي؟ لنرى..
سألت الدكتور الأنصاري عن سبب الدعوة، قال أن السيد القروني يريدنا أن نحنقل معه بإطلاق نادي المتطوعين بالشركة والذي أتم سنتين من عمره ينتظر هذه اللحظة، ويريد المتطوعون والسيد القرون المشاركة معهم المناسبة. عجبنا، د محمد وأنا، ونتسائل:" هل الرجل جاد؟ هل يُعقل أنه يكون بالشركة من الموظفين من يبادر لنادٍ تطوعي بمعنى التطوع كما نراه ونصدق به، في خضم هذه المعمعة الكبرى من البناء والتشييد وتحديات العمل اليومي وتوظيف آلآلاف من العاملين من كل أقطار الأرض؟" وارتحنا بجواب أن الرجل متحمس أكثرمن اللازم وربما تجمع عنده نفرٌ قليل من الشباب في الشركة يخطون في هذا السهل الساحلي-الصحراوي بلا تشكل واضح. فحرصنا ألا نخيب حماستهم، ولن نخيب ثقتهم بنا.. فذهبنا.
ولما ذهبنا.. صعقنا!
بعد حفاوة الاستقبال بجلسة صغيرة مع السيد القروني والسيد سامي محمد أمين مديرالشؤون العامة في الشركة، أخبرانا أن الشباب المتطوعين من الجنسين بنادي التطوع بالشركة ينتظروننا بقاعة مبنى المعرض؟ "قاعة؟ لماذا؟" "من كثرهم عاد؟" كان تساؤلنا، وفجأة رأيت صديقي الأنصاري يكاد يقع من على مقعده، وأما أنا فكمن ضربه شهابٌ من الفضاء على أم رأسه. "
هل الرجلان يمزحان، وهل هو وقت المزح من أصله؟" ولكن.. وبكل جدية وفخر ردّا علينا:"لدينا خمسمئة متطوع.. حتى الآن." .. وبعد، حتى الآن؟!!
ذهبنا للشباب في القاعة وما رأيناه كان منظرا جعلنا نقف لا نشعر بجاذبية الأرض من تحتنا مدهوشين ونعرك أعيننا:"هل ما نراه حقيقة؟" .
غصت القاعة الكبيرة بالشباب المتطوعين الذين شكلوا النادي بإرادتهم وبتناديهم من بينهم ولأنهم من المتطوعين المطبوعين الذين تجرى هبة التطوع مع دمائهم. وعرضوا أمامنا باحترافية مهنية عالية أعمالهم التطوعية الكثيرة خلال السنتين.. وكأننا في قاعة محاضرات بجامعة فاخرة.
أمرٌ لا يصدق فعلا، ولكنه الواقع. لذا دوما أكرر، وبغير وعي أحيانا: "ألن يكف الشباب عن إدهاشي؟"
الظاهر.. لا!
أشكر صدارة ليس فقط لما تقوم به من دورٍ رئيسٍ في رفع قيمة الصناعة الكيميائية في بلدنا وفي العالم، واشكرها أكثر لإيمانها بالحس التطوعي الخالص لموظفيها ودعمها لهم، ولفخر مسؤوليها بهم..
نادي صدارة التطوعي، آهٍ لو فقط تعلمون حجم السعادة التي وهبتوها لنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق