الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

وغداً يوم آخر

      

      وغداً يوم آخر



في هذا الشهر ديسمبر هو شهر مهم للتطوع والمتطوعين، فاليوم الخامس من ديسمبر تم اعتباره أمميًا يومًا للتطوع العالمي، على أن هذا اليوم تمدد على كامل الشهر تقريبا لتعذر جمع كل للمناسبات والفعاليات التطوعية في يوم واحد خصوصا بمنطقة واحدة.



منذ الأول من هذا الشهر ديسمبر الجاري وانا أتنقل بعدة مناطق بالمملكة لحضور أو المشاركة في فعاليات تطوعية، وبما أن المنشآت التجارية تظهر نتائجها في نهاية ديسمبر، تحرص أيضا الجمعيات الاجتماعية وغيرها بإخراج حصاد سنتها من المشاريع والمبادرات والانجازات.



وسجلت في حسابي بالتوتر زياراتي اليومية ومشاركاتي تحت وسم يوم حافل.. ثم تنتهي التغريدة بعد سرد البرنامج اليومي بهذه الجملة (وغدا يوم آخر).



من أهم المناسبات تكريس سمو أمير الشرقية سعود بن نايف اثنينية الرابع من ديسمبر لاستقبال ابنائه من متطوعي المنطقة الشرقية، وكانت مناسبة نشرت الفرح بالأجواء وبقلوب المتطوعين الذين حرص سمو الأمير على السلام والتعرف عليهم واحدًا واحدًا وهم كثيرون بارك الله بهم.



كما استقبل سمو الأمير أحمد بن فهد في الخامس من ديسمبر، يوم الأمس، عاملين في جمعية العمل التطوعي وشرفهم بأن يكونوا مرجعًا للعمل التطوعي بالمنطقة.. ولم يأت هذا إلا بعد عدة اجتماعات واستفسارات من سموه للتعرف على فلسفة العمل بالجمعية وانجازاتها.



لفتني أيضا منذ اكثر من عامين النشاط التطوعي الواضح في كلية الأسنان بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام، ولما شاركتهم في يوم الأمس صار لقاء جميل مع الطلبة والطالبات ورأيت مشاريعهم في توعية وعلاج الأسنان حتى لفئات من المجتمع كالصم وذوي الإعاقة، وطرق ذكية لتوعية الحفاظ على الأسنان عند الأطفال. في الكلية حماسة متواصلة لإنماء العمل التطوعي عاما بعد عام، وأراهم منجما لمتطوعات ومتطوعين من الأطباء والطلبة.. ومن يدري ربما بفضل الله ثم بجهودهم يأتي يوم تقفل به عيادات الأسنان، بدون زعل من أصحاب العيادات!



ثم أمر آخر له أهمية خاصة وهو جائزة العمل التطوعي لموظفي شركة أرامكو.. هذه الجائزة تحتاج مقالا مفصلا بمفردها.


هذا.. وغدًا يوم آخر.



نجيب الزامل

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

كيف ترى الدنيا.. تراك

                كيف ترى الدنيا.. تراك


القصة أرويها لكم هي قصة حكاها لي صديق، رجل الأعمال الناجح.

صديقي هذا ولد بحواسه مكتملة ثم أصابه مرضٌ وفقد سمعه. وأحكي لكم قصة الصديق هذا لأنه يصر على أن تـُكتب وتقرأ، ليس لشهرة يبتغيها فهو ليس بحاجة إليها، ولكن كعبرةٍ عملية للجميع.


يقول أنه كان له ابن عم مثقف وأصم من طفولته الباكرة، ورغم ثقافته وذكائه كان يحمل نظرة داكنة لمجتمعه المحيط ويعد نفسه معاقًا. زار ابن العم الأصم صديقي بعد أن وقعت له الإعاقة السمعية ودس في جيبه ورقة. 


لما قرأ صاحبي الورقة التي دسها ابن عمه بجيبه وجدها تقول: " ها أنت دخلت يا بن عمي عالمنا المعزول، حيث منبه الساعة يطلق الضوء لا الصوت، وحيث الهاتف بالنور أو بالهز، وحيث تبدو وكأن بينك وبين الناس حائطا زجاجيا سميكا لا تسمعهم، ولا هم ينتبهون لما تحاول أن تعبر عنه. 


عالمنا حيث نبدو كالمهرجين ونحن نعبر عن الغضب أو الابتسام بمط الشفاه وتوسيع العيون وتقطيب عضلات الوجه، عالمٌ وأنت صامت تبدو على وجهك ملامح البلَه والذهول".. وتستمر الورقة على هذا المنوال.


والذي صار أن صديقي نجح وصار صاحب صناعة مهمة، وهو يقول إن رسالة ابن عمه تلك كانت له دافعا وليست مجلبا للغم والاستسلام. 


ثم أخذني من يدي وأراني شهاداته الأكاديمية الهندسية، وجدارا مملوءا بالشهادات الفخرية والإنجازية.. ثم لوح بيده بالهواء وكأنه يمسح كل تلك الشهادات وكأنها ليست هي المهمة، وأشار إلى إطار يكاد أن يكون معزولا بحاله، ورفع إبهامه مؤشرا وقائلا: هذه هي "الشهادة الأهم".. وكان في وسط الإطار ورقة دفتر مدرسي قديم. هي تلك الورقة التي دسها ابن عمه في جيبه! 


لقد كانت تلك الرسالة التشاؤمية إنذارا لصديقي ألاّ يتشاءم أبدا فيكون مصيره كما وصف ابن عمه.. وكانت حافزه الأكبر للتفوق.


الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

هل أوفيتُ بوعدي لك يا فاطمة

            

          هل أوفيتُ بوعدي لك يا فاطمة


في العام ٢٠٠٧ ميلادية عرفت فاطمة الطفلة الجميلة ذات الملامح العربية الواضحة في مجمع تجاري بمانيلا.


 كانت طفنشرقة رغم أسمالها، بالثانية عشرة ربيعا. 

أخبرتنا أن أباها- كما سمعت من أمها- كان سعوديا وتركهم، ثم تعرفنا على الأم في أبأس تجمُّعٍ بشري سكني يمكن تصوره، وكانت الأم أيضا شابة بأواسط الثلاثينيات بملامح عربية شاهقة. ثم عرفنا أن أب الأم -كما أخبرتنا- كان أيضًا سعوديا وتركهم. 


فاطمة البنية التي كانت تشع كوردة الفجر رغم بؤس حالها، ماذا كان عملها؟ ولماذا اقتربت إلينا؟ لأنها كانت تقدم خدمات التدليك للسياح.. في غرفهم!



مكننا الله مع محسن مقيم بمانيلا من تحسين وضع الأم وفاطمة، ولَم ننجح بالعثور على وثائق وعقود ثبوتية. ثم أني عدت للبلاد، وصارت فاطمة في ملف الذكريات..



عدت بمانيلا بعد سنتين وسألت صاحبنا المقيم بها والذي كان يتابع حالة فاطمة أمها، وسألته عن بنتنا فاطمة، نكس رأسه وقال: "لقد ماتت بالإيدز".. 


سألته والدموع تملأ عينَي:"طيب، والأم؟" ولم يرفع رأسه ليتابع: "لقد ماتت بالإيدز أيضا!"



شعرت بذنب عظيم ،مازال يقلقني لليوم، ووعدت فاطمة في قبرها ألا تكون هناك فاطمة أخرى. 


فبدأت مع صديقي المحسن المقيم هناك بتأسيس ما أسميتها "رابطة العودة للجذور"، لكن هذه المرة لبناتنا وأبنائنا السعوديين والمثبتة بنوتهم لآباء سعوديين بعقود الزواج الشرعي والمدني وشهادات الميلاد والتسجيل بالسفارة السعودية بمانيلا.



لا يسع المكان بذكر حتى بعض القصص التراجيدية لأولئك البنات والأولاد والأوضاع المزرية من الفقر والمرض وضياع الهوية الدينية واللغوية، فقد رويتها مرارا وتكرارا.



هذه المرة بعد انقطاع قسري عن بناتي وأبنائي بالرابطة والذي استحال علينا إعادتهم للمملكة لتعنت الآباء.. التقيت بهم فأفرحوا قلبي، وجدت بعض البنات تخرجن في الجامعات بتفوق، وبعض الشباب كذلك، وبعضهم نجح نجاحا عريضا بالرياضة أو المهنة أو العمل التجاري الفردي.. وأشكر هنا سفارتنا بمانيلا حيث يحضر بعضهم دعوات السفارة باجتماع وحفل اليوم الوطني بالسفارة.



فهل أوفيت بوعدي لك حبيتي وصغيرتي فاطمة؟ لا أظن حبيبتي فقد بقي أن نتابع ونبحث، ونحرص على من زالوا صغارا..



وما زلت يا فاطمة أتضرع لربي أن يسامحني لأني تركتك وسافرت لتعانين المرض.. حتى أراحك الموت.



نجيب عبدالرحمن الزامل

‪٣١-١٠-٢٠١٧‬


الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

حسن السبع.. المصباحُ الخفي.


               حسن السبع.. المصباحُ الخفي.



حسن السبع يرحمه الله كان معنا.. ولم يكن معنا. أصر أن يعيش بجزيرة مزهرة منعزلًا ومعطاءً.



حسن السبع واحد من أفضل ما قدمته منطقتنا الشرقية بالذات من المثقفين المطبوعين، ويكاد يكون الوحيد في المشهد الثقافي الذي هو مثقف رغمًا عنه، أو مثقف بطبيعته، وهؤلاء النوع من الناس ينيرون الفكر بلا خوض في ميادين الجدال والحوار، ولا من الذين يتسابقون للمنتديات ومسارح الظهور والشهرة. إنهم كالمصباح الذي ينير رغمًا عنه، لأن لا عمل له غير الإنارة.



 ينسى معظم الناس أهم الأشياء في حياتهم لأنها تجري بطبيعة نفعها لا بإلحاح ظهورها.

ننسى الهواء الذي نتنشقه، وننسى مصدر الضوء لأنه لا يشير لذاته، ضرورة وجوده بنفعه كمصدر من مصادر الحياة بدون أن يكلف من يخدمهم أي نوع من الإلحاح أو التذكير بالحضور.. 

فيغفل عنه الناس إلى ما هو أقل، لأن الأقلَّ يتصف بالإلحاح وشدة إثبات الحضور.

"وودي آلن" قائد السينما الساخرة النيويوركية قال شيئًا عبقريًا ومهما وحقيقيا شديد الواقعية وهو:" أن القدرة على الحضور هي تسعة وتسعين بالمئة من النجاح". لذا ترى يصل للمناصب والشهرة وحصد الجوائز أصحابُ الطلّة والظهور بكل مكان ومناسبة.


 ولا يحصد الهواءُ الخفي الأهم الجوائز والمناصب، ولا تُكافأ المصابيحُ لانها ترسل نورها غامرا بلا طلبٍ ولا مكسب أو مطمع.



هكذا كان حسن السبع العبقري الساخر الموسوعي، يصر على كتابة مقالات الفكر الجميل والمعلومة السائغة، يصر أن ينير مهما عصفت بالمصباح عواصف الظلام والإظلام. كان عنيدا جميلًا لكن بنعومة وانسيابٍ وسهولة في فرش طريق الورود في مفازات العراك والضرب والتراشق. 


عاش بجزيرته المزهرة معتزلا، متنسكا فكريا، إنساناً أصر على إنسانيته حتى آخر قطرة. 

لست آسفا أن صديقنا وأستاذنا حسن انتقل للرحمة الإلهية بلا ضجة إعلامية.. فهو لم يكن يحب الضجيج. فحصل له أكثر ما أحبه؛ السكينة وجمالُ الانصراف.


حسن السبع كالنجوم تموت بصمت جليل في عمق أبعاد الكون.. ويبقى ألقًُ نورها.

نجيب الزامل


الخميس، 21 سبتمبر 2017

"بيبانٌ" مفتوحة.. فتقدموا!

          


            "بيبانٌ" مفتوحة.. فتقدموا!

بيبانٌ مشروع يتبع للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تشجع على دعم وتشجيع وتأسيس الاعمال الريادية. 

عندي ثلاث فرحاتٍ.. وملاحظة.



الفرحة الأولى، أحد كبار عقولنا النيرة الدكتور محمد الأنصاري من مهندسي ضبط إيقاع العمل الفكري للهيئة وإن كان مستشارا بها، إلا أن ثقة المحافظ الأستاذ غسان السليمان به يبدو أنها تتعدى المسمى الحرفي لتوصيف المستشار، فوق أن الدكتور الأنصاري إن أردت أن تتخلص منه خنقًا، فأحِلْ عليه النظريات، فهو واقعيٌ عمليٌ ميدانيٌ براغماتيٌ للعظم. وأفخر به كسعودي وكأحد أبناء منطقتنا الشرقية.. وكصديق.



الفرحة الثانية، هي أني كنت واحدا من ثلاثة محكّمين في "بيبان" لاختيار من يقع عليه المركز الأول من المنشآت غير الربحية، وكانت الرؤية لم تتضح بشكل واضح، حتى تعرضنا لصندوق الأمير سلطان المختص بدعم طموح سيدات الأعمال المبتدئات - وهو صندوق بمنطقتنا الشرقية- ولما استعرضنا نشاطات الصندوق حسب القياسات الموضوعة أمامنا كمحكمين كان من رأي المحكمين الثلاثة أن هذا الصندوق جدير بكفاءةٍ واثباتٍ عملي على الأرض أنه يستحق أن يتبوأ المركز الأول.. وهذا ما كان. 



كنت بالأمس متحدثًا في الرياض ضمن الجدول لأيام فعاليات "بيبان" وتشرف على إدارته وتنسيقه الأستاذة مها النحيط - من الرياض عاد هذي المرة- وهي فتاة مبهرة بتطوراتها العملية والابتكارية وقد تتبعت رحلة نجاحها من خطواتها الأولى إلى لمعانها الحالي، وبالتأكيد هذه فرحة ثالثة.



والملاحظة:

قد كنت قبل ذلك محكما في جائزة الملك خالد لشركاء التنمية كوني عضوا فيها، ومحكما أيضا في مجلة نسائية شهيرة لاختيار المرأة الأولى بكل مجال.. وقد عصرني قلبي غياب متفوقي المنطقة الشرقية، وهذا ربما راجع لطبيعة أهالي المنطقة الخجول التي لا تقدم نفسها باقتحام. 


وأظن حان الوقت أن تثبتوا يا الربع.. وأن تقتحموا.

وفق الله الجميع.

نجيب عبدالرحمن الزامل


الأحد، 27 أغسطس 2017

وهناك معجزة في الموسم المبارك: توليد الكهرباء

وهناك معجزة في الموسم المبارك: توليد الكهرباء

موسم الحج مهم جدا كل عام، وتحقق فيه حكومة خادم الحرمين الشريفين بكل أذرعتها الرسمية والعملية والاجتماعية والمالية ما ليس له مثيلا ليس في العالم فقط، إنما ربما عبر التاريخ.



على أن هذا العام في ظل التحديات المعتادة، طرأت تحديات سياسية تحاول أن تقلل من هذه الجهود أو تشكك فيها أو حتى تتمادى لانتزاعها.


وكنت كبقية المواطنين اتمنى على الله النجاح الفائق لهذا الموسم كبقية عشرات المواسم السابقة، مع اطمئناني الداخلي بأن الله قبل وفوق أي شيء سيوفق القائمين على أهم موسم ديني عالمي، وستمر الأمور بإذن الله كما مرت كل مرة بأمان ونجاح وسلام.



استوقفني مقالٌ بمجلة علمية متخصصة يتحدث عن توفير القوى الكهربائية بموسم الحج الذي يتطلب جهدا خياليا في حجم الكهرباء وما يصحبه من ثروات مالية تنفق من أجل ذلك فضلا عن الجهود البشرية، لمست من المقال انهم يستنتجون أن نجاح شركة الكهرباء السعودية باستمرار خدمات الطاقة طوال الموسم بلا انقطاع يحتاج لمعجزة.



على الفور طلبت موعدا مع أحد كبار مسؤولي شركة الكهرباء، وبالذات المسؤول الأول في قطاع الكهرباء المهندس خالد الطعيمي.



في مكتبه في ابراج غرناطة مقر الشركة بالرياض الطابق الثامن عشر وفيه الإدارة الرئيسة لأهم عمليات الكهرباء وهي التوليد (Generation) استقبلني المهندس الطعيمي بترحاب ولعلمي بمدى انشغاله آليتُ على نفسي أن لا آخذ من وقته اكثر من ثلاثين دقيقة، وغرضي الاطمئنان ونقل هذا الاطمئنان لمن سيقرأ هذا المقال.


نقلت للأخ المهندس الطعيمي أثر ذلك المقال علي، ورغم تأكدي من جهود الشركة إلا أني لابد أن أعترف أن شيئا من الخوف وجد طريقه لقلبي، وأن أي إخفاقٍ كهربائي،مهما كان غير ذي شأن، سيحتفل به أعداءُ المملكة وسيلجأون كعادتهم لتضخيمه وتهويله.



أجمل ما سمعته من المهندس الطعيمي:"أن كل طواقم الشركة من إداريين ومشغلين ومهندسين في المنطقة الغربية بالذات، وهو وكل رؤساء القطاعات في أنحاء البلاد يعملون على مدار الساعة بجهد ويقظة لسببٍ أهم من كونهم موظفين لشركة الكهرباء، بل استشعارا لمواطنتهم، وأن مسؤوليتهم تأكيد نجاح إدارة بلدهم المملكة العربية السعودية لواحد من أكثر المناسبات صعوبة وتعقيدا وتداخلا في العالم". هم يعملون إذن أولا من كونهم كمسلمين يتمنون أن يصل كل حاج ويعود لبلده راضيا آمنا سالما وشاكرا، ثم لكونهم مثل أي جندي يقف لحماية وطنه يريدون أن يثبتوا للصديق ولغير الصديق نجاح وتفوق الإدارة السعودية للحج.



الحجم المخصص للمنطقة الغربية من توليد الطاقة الكهربائية المتعددة (ومنها محطات بخارية من الأفضل في المملكة ومنطقة الخليج في كفاءة استهلاك الوقود وتوفيره) يصل إلى رقم ضخم جدا وهو "عشرون ألف ميجا وات". ولتعلموا أن جدة لوحدها تستهلك ثلاثة عشر ألف ميجا وات. 



هل يمكن أن تواجه شركة الكهربائيا عجزا في الإمداد؟

يقول الطعيمي لا خوف على الإطلاق واطمئنك أن لدينا فائضا في الانتاج من العشرين ألفا يساوى نسبة معتبرة وهي ١٢٪‏، وبالتالي لا دلالة لكلمة أو حالة عجز.. وهذا مطمئن فعلًا.

على أن المهندس الطعيمي اخبرني عن آلية خطوط الربط بالتعدد الثلاثي بحيث لو لا قدر الله حدث خلل لأي من الخطوط فإنه تلقائيا يكون الامداد والرفد حاضرا ليس مرة ولا مرتين بل ثلاثًا.



كانت نصف ساعة طمأنتني أن المعجزة التي أشار المقال بأن الشركة تحتاجها لانجاح الموسم بدون انقطاع للكهرباء بموسم الحجم، فعلًا.. قد حصلت.

وعيد حج سعيد ومبارك لكم جميعًا

نجيب عبدالرحمن الزامل


الأحد، 13 أغسطس 2017

خط الزمن وتجربتي مع شركة الكهرباء

        

      خط الزمن وتجربتي مع شركة الكهرباء

                      - سعيد عبدالله

                                 



أحبّ أن أعرض لكم الرسالة التي وصلتني من المهندس بشركة الكهرباء سعيد عبدالله:


"الأستاذ...

لقد فكرت بما قلته لنا في محاضرتك لنا ضمن مشاركتك في برنامج  إدارة الابتكار وريادة الأعمال  في شركة الكهرباء بالتعاون مع برنامج بادر لحاضنات التقنية. وأنقل لك ولمن سمع كلامي من الحاضرين اعتذاري في انتقادي المندفع ضد شركة الكهرباء التي أنا أحد منسوبيها.



فكرت طويلا في ما قلته عن خط الزمن، وأعجبتني عبقرية الفكرة والاستدلال، حيث قلت لنا أن الزمن أحداث ولا بد أن نفكر كيف نستفيد ونفهم كل حدث زمني بطريقة مستقلة عن باقي أحداث الزمن. وشرحت لنا أن من يقدم لك أمرًا عليك أن تفكر بهذا الأمر باستقلال محايد لاستخلاص منافعه وأضراره ثم تحكم بهذا الأمر فقط وأثره عليك بعيدا عن انطباعاتك عنه."



ويتابع محمد- نقل زملاؤنا بالقصيم عنك قولك:  "أن علاقة الحب أو الكره لا يجب أن تكون حٓدّية أو حتمية، فالاحتمال وارد بطبيعة ومنطق الأشياء وهو  أن لا شيء يستمر على منوال واحد طوال الزمن .


 وقلت لهم :"يجب ألا تحبوا حبا مطلقا بحيث أن كل ما يفعله لك أو يقوله المحبوب دوما من صالحك، فقد يضرك حبيبك في عمل مستقل من غير ارادته وهذا لا يعني أقبله فقط لأنه من حبيب، فهناك ومن الحب مأ قتل، وهناك حب أعمى تمنع العقل من قياس الفعل أو القول اللحظي إذا كان سلبيا ، إنما من الحب الواعي الذي يجب أن يكون في الزمن كخطً زمنيا متقطعا تقاس على قطعة بذاتها ويُحكم لها أو عليها. 


ونفس المنطق ينطبق على الكراهية بألا تكون حدّية أو حتمية فحين يقدم لك من تكره ترياقا يعالج معاناتك ففي هذه اللحظة نقبل الترياق لأنه مفيد بغض النظر عن كراهيتنا للشخص . 


بشرط أن تتأكد من صحة وسلامة الترياق. وبذلك أنا اعتذر واسحب كل ما نقلًا غضبا وكان حريا مني لما قلت للحضور: "في هذه اللحظة في هذا البرنامج الذي يدعم المبادرات العملية بالخبرة والمال: هل هذا عمل جيد أم سيّء ؟ هل نقبل هذا العمل أم لا نقبله؟ فأجاب الجميع : نعم هو عمل جيد ونحن نقبله." انتهت الرسالة 



إذن نحن نقبل ما تقدمه لنا شركة الكهرباء إذا كان هذا العمل ينفعنا بعيدا عن ميولنا للشركةً أو عدم ميولنا. وهذا ما رأيت وسمعت وشهدت في جولتي التطوعية عبر المملكة تشجيعا لأي برنامج يقدم دعما حقيقيا وتطويريا للأعمال الشبابية.



ومع الوقت لما تعرفون أهمية البرنامج لكل واحد منكم للكسب الفردي المستقل  الخاص التقني.. ربما أطرقتكم رؤوسكم وفكرتم وقلتم: شكرا لشركة الكهرباء .

نجيب عبدالرحمن الزامل 


الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

عندما أنارت شركة الكهرباء قلبي


عندما أنارت شركة الكهرباء قلبي

أحب محمد البكر، هكذا لله فالله.. ولم يهبني مالا، ولا حتى بخشيشًا.



وكان حبيبنا البكر يتحدث في مقال له عن هدر الكهرباء خصوصا في المساجد. وأحب- لأني أحبه- أن أبشره بأن هذا الهدر سيطويه الزمن.. قريبًا.



أحب من كل قلبي أن أحيي العلاقات العامة بشركة الكهرباء، وإدارة الابتكار وريادة الأعمال. 


لكل أحدٍ الحق أن يشتكي ويتشكى من شركة الكهرباء، إلا أن الذي يعنيني دوما، كما يعنيكم بالتأكيد، هي الرعاية الإنسانية البنائية المهارية والواقعية للفرد، وهذه تتميز بها شركة الكهرباء، أو عقول تبث الدكاء بعروق الشركة.



طالما سمعت من المهندس زياد الشيحة، والأخوين عبدالرحمن العبيد وحمود الغبيني عن التركيز على إذكاء المدد العقلي لكل موظفي الشركة.


لما دعاني المجتهد عبدالله الركف من الشركة للمشاركة في أمسيات الابتكار وريادة الأعمال في القطاع الجنوبي بأبها، وستلحقه بإذن الله جدة والقصيم، افتخرت أن أجد شبابا من الشركة مثل المهندس خالد الدوسري ومجموعته تلمع رؤوسهم بمشروع عبقري لتحفيز الفكر العملي الابتكاري داخل الشركة، والريادي للمشروعات التجارية الصغيرة الذكية خارجها.


كانت أمسية ألها تضيئها الروعة والإتقان والذكاء والفرح، وهناك (على سبيل المثال)  شرح لنا شاب مبتكر هو صالح الوعلان عن جهاز موجود بالأسواق الآن يتكفل باقفال الأجهزة الكهربائية أتوماتيكيا بدون وجود أحد. وهذا سيحل إهدارًا شهريا فقط من المساجد بمئات الملايين.



ارجو أن يطمئن قلب الحبيب محمد.. وكل من يحلم بتخفيض فاتورة الكهرباء التي تحرق أكثر من سعير الصيف..


هذه الريادة لشركة الكهرباء لا تحتفل بها وحيدة فشاركت برنامج بادر ووادي جدة.. ووديان وجامعات قادمة.

وأحلم أن أقف شاهدًا على ذلك.


نجيب الزامل


الثلاثاء، 25 يوليو 2017

يا مسؤولين: قبل أن يتحول النفٓسُ هواءً!

  


   يا مسؤولين: قبل أن يتحول النفٓسُ هواءً!

بعد عشر سنوات من التعلم والتدريب ليصبح واحدًا من أنجح جراحي المخ والأعصاب في الولايات المتحدة، تم تشخيص الدكتور پول كالينيتي بسرطان رئةٍ من أشرس الأنواع والذي لا يقبل الجراحة.



كان الدكتور پول طبيبا مجتهدا، ويؤدي واجباته حسب قسمه الطبي، ولكن مع الوقت نمى جدارٌ فاصل بينه وبين المرضى. 


تيبَّست عاطفته حيالهم، وصار دأبه أداء واجباته العلاجية لكل مريض تماما حسب ما تمليه الكتب، ولكن لا يقدم أي شيء فوق ذلك من التعاطف معهم، وإعطاء الوقت أكثر لينصت لمشاكلهم وأناتهم وأوجاعهم، فبالنسبة اليه يؤدى واجبه.. وبس خلصنا!


طبعا بالنسبة لي أحيي الطبيب الذي يؤدي واجبه مهنيا كاملًا، حتى وإن كان لا يقدم للمرضى شعورا بالقرب أو الصداقة.



على أن الدكتور پول بعد أن كان طبيبا متباهيًا صار في اليوم التالي، مريضا منكسرًا، وخائفا، خصوصا وأن خبر إصابته بالمرض تزامن مع مكالمة من زوجته التي بشرته بأنها حامل!


وضع الدكتور پول كتابا عظيم التأثير، قرأته أكثر من مرة، وبذات المشاعر العميقة وإدراره للدمع.


 ندم د پول على تصرفه على كل مريض عالجه، وكتب عن كل منهم وحالاتهم، وكيف أنه لم يذهب أبعد ويتعاطف معهم، وكيف أنه الآن يجرب بوجع مشاعر أولئك المرضى.. 


ووصى أن يقرأ كل طبيب مشاعره التي سطرها بكتابه "عندما يتحول النفٓسُ هواءً When Breath Becomes Air" سواءً أكانوا طلبة امتيازٍ أو مقيمين أو أخصائيين واستشاريين.



وكنت قد قرأت عن مواطن يرفع شكواه ضد أحد فروع الشؤون البلدية والقروية بمدينته وكيف أنه سيمضي على معاملته قرابة السنتين بدون أن يتلقى أي خبر يفيد عنها شيئا. 


وعرفت الآن أن سبب تيبس عاطفة بعض المسؤولين لأنهم لا يحاولون أن يضعوا نفسهم مكان المواطن الذي ينسحق من أجل خطّٓة قلم مسؤول.


لم يكمل د پول كالينيتي كتابه، فقد وافته المنية وهو شاب بأواخر الثلاثينيات.

نجيب عبدالرحمن الزامل


الأربعاء، 5 يوليو 2017

لأننا بشر


لأننا بشر 

                 شلالات تتابع الوجع

هناك الآن صناعات مزدهرة جدا تملأ محافظ شركات الأدوية والصيدلة وهي تلك العقاقير التي تعالج معالجات الألم.. يسميها الأطباء Opioid Crisis ولي أن أترجمها تصرفاً مصيبة إدمان المسكنات.


ما هي هذه الصناعة تحديدا؟


لما يصف الأطباءُ المسكنات التي ذاعت وشاعت، وببعض البلدان يشتريها الزبائن مباشرة من رفوف الصيدليات، مثل المسكنين المعروفين باسم أوكسي-كونتين، والدروكدون، باعتيادٍ متكرر فإن هذا يورث أعراضًا جانبية بعضها صعب كالدوخة والإمساك المزمن واختلال الإنزيمات وفقد المعادن والفيتامينات وربما احتباس السوائل بالجسم، وهذه الآثار الجانبية لها أيضا أدوية تعالجها، وأيضا هذه الأدوية لها آثار جانبية تعالج بأدوية أخرى. 


وهكذا في ترادف وتتابع لا ينتهي اصطلحوا على تسميته بالمجرى المتتابع Cascade

وهذه صناعة كبيرة وعريضة ببلايين الدولارات، تجعل شركات الأدوية هائلة الثراء، وتخرق جيوب الأغنياء والفقراء.



ومثله في السياسة بين الدول، تُخلق مشكلةٌ من أطراف مستفيدة، ثم تقوم تلك الأطراف بمحاولة تسكين الأزمات بمعارك وحروب صغيرة، وتلك المعارك والحروب تورث مشاكل كالأمراض والهدم الحضاري ثم تأتي ذات الأطراف بحلول تنهب بها الأموال، وتعقد مشاكل الدول في دوامة دموية وتراجعية ثم تغرق في دوامات أعمق..



وتعرفون من الضاحك السعيد، إنه جابي الأموال، حتى لو كان أيضا جابي الأرواح.


لا يهم!


استمرار الحياة كفيل بإطفاء نيران الأحزان.


استمرار الحياة كفيل بإطفاء نيران الأحزان.

إبراهيم الحلبي أديب سوري شاب يراسلني فصار صديقا. 


وصلت رسالة منه تقطر حروفها سوادا، واختفت المعاني الوسيمة التي كانت تتأنق على سطوره. ولاحظت أن براعته الأسلوبية التي يشتهر بها أدباء الشام غاضت كما يغيض الوردُ في حقل جف وخنقته الرمال. 



إبراهيم كتب لي هذه المرة واصفا رحلته مع عائلته وقد تزوج وصار لديه ابنتان صغيرتان من الحدود التركية إلى مقدونيا حيث أقام لفترة، ثم استقر الآن حسب وصفه:


 "ببلد الثلج والبرود والانتفاء من الوجود الدافئ السويد، بمخيم في ضاحية تبعد عن استكهولم بـ 50 ميلا"..


 المهم أن إبراهيم سأل سؤالا وكأنه يقرظ ضميره بأسنانه: "عندما وصلنا الحدود النمساوية استُقبلنا بشرا أحياء بعد أن كنا أكفانا تسير على الأرض تنتظر مشعاب الموت لينغرز في لحم صغيرتي وزوجتي ولحمي، وظهرنا للحياة وتعرفنا على أننا جنس بشري، فاحتفلنا بفرح معجون بشهقة الحياة التي تصل للغريق في آخر لحظة.. فهل يحق لنا الفرح وأنا أعرف أن باقي السوريين مثلي ما زالوا تحت أبواب جهنم التي تنفتح من سماء السعير، ومن إخوتي الذين يأكل لحمهم سمك قيعان البحر المتوسط؟" 




كنت أفكر في سؤال الأخ إبراهيم الحلبي ومر بخاطري الطفل سوري الذي أنقذ من تحت الركام بنظارته وقد امتلأت بغبار الركام، وبطفل آخر يعرفه يضمه فرحا، ثم يضع يديه فوق رأسه ويصرخ ويدور فرحا ومضطربا ومذهولا بنجاة حبيبه. 


مع كل خوفي ورحمتي لذلك الطفل الذي أنقذت حياته، إلا أن عواطفي أيضا ذهبت للطفل الآخر الذي صار يدور كالدوامة المترنحة يخبط يديه على خديه ورأسه فرحا لأمل كان قد مات وفجأة رآه حيا ماثلا أمامه. 



نعم يا إبراهيم، نفرح وسط الآلام عندما يكون وميض الفرح لائحا.. لتستمر الحياة، وحين تستمر الحياة يوما ما يا إبراهيم قد يكون قريبا أو بعيدا ولكنه لا بد آت.



واستمرار الحياة سيكون كفيلا بإطفاء نيران الأحزان.


الأربعاء، 28 يونيو 2017

الناس حروف

                       

               الناس حروف 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى أن تكونوا جميعًا قضيتم أوقاتٍ هنيئةً في أيام العيد المبارك.



أغرم كثيرا في العقول، وتعلمت من أوسكار وايلد أن كل عقل هو بستانٌ من أزهار الفكر نتمتع بالتجول فيه.


من أجمل بساتين الأفكار عقل العبقري الفريد عباس العقاد ووصفه بهذا المكان الضيق أكثر صعوبة. 


وأستهل المقال بقولٍ للعقاد:"في حياتنا البشر كالحروف. البعض يستحق الرفع، والبعض يحترف النصب، وهناك من يستاهل الضم، والبقية يستحقون الكسر". 


يا إلهي على هذا الوصف البالغ المشهدية والتطابق. هناك شخصيات نحترمها لصدقها، وتواضعها، ونفعها للناس فنرفعها تيجانا فوق رؤوسنا، سواء أكان مسؤولا رسميا، أم عالما، أم مفكرا، أم عاملا متطوعا، أم تاجرا، أم مواطنا عاديا. 


وهناك الفاسدون النصابون وهم بلاء الأمم، وحشو كل ورمٍ يُمرِض ويعطل جسد الأمة. وهؤلاء قويون بفسادهم جبناء أمام أي مبدأ فاضل دينيا كان أم دنيويا. هم الطحالب التي تمتص أكسجين الأجواء، والطفيليات التي تعثو بخير الأرض، وهم من حقراء الناس طباعا، وإن كان يُحرق لهم البخور ظاهرا وتزلفًا. 


وناسٌ نحبهم حبا خاصا لنا وحدنا هم أقرب ما يكونون لجدار القلب، حبهم لنا ينقلنا لمدارج سكينةٍ ولذةٍ ودعةٍ وأمان؛ حبُّ أمهاتنا وآبائنا وأخواتنا وإخواننا وأحبابنا وأصدقائنا. 


وهناك ناسٌ معطوبون معطلون متذمرون متشائمون سبابون بلا عطاء إلا الأذية تود كسرهم كالزجاج الرديء.


ولكل منكم حرية اختيار أي حرفٍ يريد.

نجيب الزامل 


الجمعة، 23 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-٢٥


نجيبيات رمضانية-٢٥

     


   الناس الطيبون: لا استسلام من أجل الإنسان 

متى بدأ الطب فعلا يفكر عمليا وعلميا في زراعة الأعضاء التي كانت حتى أواسط الخمسينيات ضربا من ضروب الخيال العلمي؟ 



نحن الآن في عام 1954م، بمدينة بوستن الأمريكية بالتحديد في مستشفى بيتر بنت بريجهام، ويرقد في غرفة العمليات بالمستشفى شخصان مخدران. 


شخص نُزِعت منه كليته الصحيحة لتزرع في الآخر الذي يعاني فشلا نهائيا في وظيفة الكليتين. ولكن كيف؟


 وعلم المناعة لم يتقدم بعد ليعرف ما الذي يجعل الجسد يرفض عضوا غريبا يزرع فيه. السبب لأن الشخصين المخدرين هما توأم متطابق Identical Twins ويعني هذا بمفهوم الفسيولوجيا أنهما متشابهان في كل شيء بتركيبهما النسيجي والجيني، وبالتالي لا يلاحظ الجهاز المناعي لجسد المريض المزروع فيه العضو الصحيح أن شيئا "مُريباً" قد حصل فلا يرفضه. 



من ذلك اليوم وعى البيولوجيون أن نقل عضو لجسم آخر ممكن؛ فقط عليهم فهم السلوك المناعي الحيوي وإيجاد الحل ضد هيجانه وغضبه. 



الآن تنجح أكثر من 80 في المائة من عمليات الزرع لخمس سنوات وأكثر نتيجة ذلك السعي العلمي الذي من أجل الإنسان لا يعرف الاستسلام.



طاب صيامكم


نجيب الزامل 


الاثنين، 19 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية ٢٤


نجيبيات رمضانية ٢٤

               لماذا لم يقتل سعدٌ ملك الفرس؟

اهتم الألمان المفكرون منهم والفلاسفة والشعراء منذ بدايات القرن التاسع عشر بالمعارف والآداب الشرقية الاسلامية خصوصا المدارس الصوفية. 



وقدأ بدأ هذا الولع بكبيرهم "جوته" خصوصا لما نشر كتابه "الديوان الشرقي" وهو من أجمل ما يُقرأ في أي أدبٍ عالمي، وكان محوره وركيزته أشعارًا للفردوسي، وافكارًا إسلامية تدور حول أسماء الله الحسنى والجنة والمعراج والهجرة، معتمدا على اعجابه الكبير بروح القرآن وبلاغته.



ومن بدء انكبابي على الأدب الألماني، تابعت بشغف كاتبا متخصصا بالآداب العربية المشرقية والأندلسية اسمه "شاك". ولا أنسى أبدا قصيدةً له تهز قلبي إلى اليوم، وهي التي صور فيها حياة البطل العربي المسلم سعد بن أبي وقّاص.


 وكيف أن هذا القائد العظيم قضى على امبراطورية فارس، وتغلب على الملك "بزدجرد". ولما طلب بزدجرد من سعدٍ ألا يقتله إلا بعد أن يشرب كأس ماء بيده، فأجاب سعدٌ طلبٓه. الا أن بزدجرد لم يشرب كأس الماء ورماها. 


ماذا حصل بعد ذلك؟

استبقى سعد على حياة بزدجرد، لماذا؟ حتى لا يُقالُ أن مسلمًا حنث بوعده!



 طاب صيامكم 

نجيبيات رمضانية ٢٣


نجيبيات رمضانية ٢٣

                      

               فنُّ إدارة الخلاف

النزاع غريزة مبعثها الغضب وبالتالي عواقبه لا تعتمد على العقل المنطقي. ولكن التراضي أثناء الزعل واحد من أرقى فنون التعامل الإنسانية، بل هي ذكاء وشجاعة وحكمة عُجنت معا .



في فن التراضي أثناء النزاع يجب أن يُترك بابُ الخلاف مواربًا ولا يصفع تماما حتى يمكن المراجعة والتراجع والمصالحة، وذلك بتوازن نفسي أخلاقي بين الحدة والشدة والصفح والحلم. 



ومثل ذلك من تاريخنا الإسلامي؛ لما شكى الحجاج لعبدالملك بن مروان بأنه حمى رجلًا كان الحجاج سيعاقبه بقسوة، فرد عبدالملك على الحجاج:"لك أن تكون أنت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والصفح، فيستريح الناس ما بيننا". وما وجدت أرقى من هذه الجملة في فن إدارة الخلاف والنزاع.




ولما وقع اختلاف بين الحسن، وأمه بنت الرسول صلى الله عليه وسام فاطمة، وبين أخيه غير الشقيق محمد بن الحنفية ، كتب محمد لأخيه الحسن:"أبي وأبوك علي لا نتفاضل به، أما أمي فهي امرأة من بني حنيفة، وأمك فاطمة الزهراء، فَلَو مُلئت الأرضُ بمثل أمي لكانت أمك خيرا منهن جميعا. فاقدمْ أنت حتى تترضاني.. فإنك أحق بالفضل مني". وبالفعل قدم إليه الحسين وأرضاه.



يا لعبقرية وحكمة إدارة الخلاف.. يا سلام!



طاب صيامكم

نجيب الزامل 


الأحد، 18 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-٢٢


نجيبيات رمضانية-٢٢

               

                   الإلحادُ وهم

أحب أن أجيب على سؤال د ع. السٓعدي الذي وردني بالتوتر.



يقول:" لفتني أنك تقول دائما، وصارت نظرية تنسب إليك، أن الإلحاد وهم وأنه وظيفة فسيولوجية في العقل البشري لا يستطيع منها فكاكا، وصدف أني أقرأ رواية معربة لجان بول سارتر باسم: لا خروج. وقال كلاما عن الالحاد لا يمكن نقله هنا من فجوره. فكيف يكون هذا الملحدُ السافر .. مؤمنا؟"



أشكر الدكتور السعدي، ولكأنك يا صاحبي تهديني هذا السؤال إهداء. نعم في "لا خروج" -وهي مسرحية وليست قصة- فجٓرٓ  بها سارتر فُجرًا فاحشًا مثل كل كتبه في حقبة الأربعينيات وما تلاها. 



ولكني أود أن تقرأ كتابه Nausea أي هلوسة، وستجد فيه إشاراتٍ صريحة لندمه على إلحاده وفجوره. بل أن صديقه المخلص "بيني ليڤي" ذكر بالتلفزيون الفرنسي عام ١٩٨٠ ما قاله له نصيا سارتر وهو على عليل بآخر أيامه:"إني نادم يا بيني على إلحادي، فأنا أعترف أني صنيعة الله ولست خبطة صدفة.."



وصدق الله سبحانه حين قال:

(ولن تجد لسنة الله تبديلا)


طاب صيامكم 


نجيب الزامل 


نجيبيات رمضانية -٢١


نجيبيات رمضانية -٢١


                    أصحاب نجيب



في الواتس أب مجموعة بعنوان "أصحاب نجيب". 


وفي هذه المجموعة خلاصة العقول المعروفة بالمنطقة، ومشاركاتهم التي يضعونها ومحاوراتهم تتم بعقليات علمية صرفة، وبحوار حضاري رائع من أجمل ما يمكن أن يُقرأ في مجموعات الواتس أب.



ولكن الجوهر وبيت القصيد ليس في ما سلف ذكره، بل بمسألة تأسيس المجموعة. أسس المجموعة واحد من عقول المنطقة الشرقية النابغين ولا يختلف في مكانته اثنان، وهو المهندس ليس العبقري فقط بل صانع العبقريات وحاضنها جمال الدبل، وكان يمكن أن يضع اسمه فتسمى المجموعة بأصحاب جمال، وهذا حقه الصِرف. ولكنه بنكران ذات تلقائي وهي من صفات الشخصيات الاستثنائية سماها بأصحاب نجيب، وأدارها باقتدار، والأجمل أن الشخصيات العزيزة والنابهة التي شاركت بالمجموعة لم يخطر على بال واحد منهم  أن يسأل : ولماذا باسم نجيب بالذات، أو لماذا تُفرض علي صحبة نجيب؟ 



نتعلم دروس التواضع وانكار الذات في الكتب وخطب الوعظ ونادرا ما نجربه واقعا، لذا كان ما عمله المهندس جمال وبقية الأصحاب درسا شاهقا في الرفعة والوقار الإنسانيين في أعلى مقاصدهما.



لعل واحدا مثلي ينهض بأخلاقه وضميره ويعي واحدا من أجمل الدروس.



طاب صيامكم 


نجيب الزامل 


الجمعة، 16 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية- ٢٠


نجيبيات رمضانية- ٢٠

   

     

     لن أقول ما أشبه اليوم بالبارحة 

في جدة كان لابد أن التقي رغم زحمة الجدول بمفكر تحت الأضواء واسمه حمزة، تعرفت عليه مصادفة برحلة جوية، وصار أحد الأصدقاء الذين يحلو لي أن أسميهم بأصدقاء الفضاء.


ثم جمع بيننا اهتمامنا، وليس بالضرورة حبنا، لشخصيتين أدبيتين تاريخيتين هما الجاحظ ، وأبو حيّان التوحيدي. ومجلب اهتمامنا الأول بالشخص الأكثر غموضا حيث لا يعرف متابعو الأنساب عنصره الحقيقي أهو عربي أم فارسي وهو التوحيدي الذي أكثر ما عرفناه في كتابه الذي يحمل ذات الغموض بسبب كتابته وبقائه مدونا سريا لفترة.



في التوحيدي أمور كثيرة أود يوما أفراد مقال له. على أن صديقي حمزة كان يتحدث عن التشابه التاريخي في النزاع الطائفي والمذهبي الذي فتك في الفكر الاسلامي ومزقها حروبا وتطاحنا، وتعجب حمزه من ركود التاريخ، وكان رأيي أن ركود التاريخ ليس صفة له، بل هي بسبب من لا يتعلم من دروس التاريخ .



انظروا أن التوحيدي كان يصف ويحذر من انتشار فرق جعلت الناس حيارى ومجروبن بالتبعية بسلاسل تكبل العقول. فمما ذكر من النحل والمذاهب المتطاحنة وتعييب كل مذهب: بالنصيرية، والجارودية، والرافضية، والراوندية، والقرمطية، والأشعرية، والقدرية، والخوارج.. ويقول التوحيدي: فشمت بأمة الإسلام واغتنم فرقتهم اليهودُ والنصارى.


هذا قبل ألف عام، ولن أقول ما أشبه اليوم بالبارحة، بل أقول اليوم على كل مسلم واجب العودة للإسلام ببساطته وسماحته واعتداله ومحبته وإنسانيته العامة، بما ورد بأصل مصدريه الكتاب والسنة.. وترك ما عدا ذلك.



طاب صيامكم .

نجيب الزامل 

الأربعاء، 14 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٩



نجيبيات رمضانية-١٩

           

                شكرا للفساد الذي أنطقها

في عام 2003 فتاة كينية اسمها "أوري أوكوللوه" 

درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتنجح في جميع المواد، إلا في مادة التعبير فهي تدفع دفعا لأنها قوية في باقي المواد. دخلت أوري جامعة أمريكية في القانون. 



ولاحظ هنا أيضا قصة البروفيسورة. لاحظت البروفيسورة "إديبث" أن "أوري" تتكلم بطلاقة في المحاضرة، ومع زميلاتها، ثم أنها تتعثر في التعبير عما يجول بخاطرها كتابةً. 



البروفيسورة لم تحرمها الدراسة، في جامعةٍ معروفةٍ  بصرامتها، فلو أخطأت في التهجئة فُصلت، بل عطفت وأحبت طالبتها، وألحت عليها أن تكتب ما تقول. 


راحت محاولاتها عبثا، حتى عرفت البروفيسورة حب "أوري" لشعبها في كينيا وكرهها للفساد هناك، فأججتها ضد الفساد، وفتحت أمامها جهاز الكمبيوتر وعملت لها مدونة وقالت لها: "هيا اكتبي عن الفساد، وغدا سأرى ما كتبت". 


لم تحتج البرفسورة أن ترى في الغد ما كتبته تلميذتها، لأن كل صحف المعارضة النيجيرية نشرت ما كتبته "أوري" لشعبها محمسة لهم على محاربة الفساد. 



"أوري" بسبب شرف حب معلمتها نالت أعلى جائزة للتعبير في جامعتها.. ثم توالت الجوائز.



هيا نكتب ضد الفساد بأروع ما كتبنا.



طاب صيامكم

نجيب الزامل


الثلاثاء، 13 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٨


        نجيبيات رمضانية-١٨



هذا الذي يحدث الآن في البيت الخليجي لا يُفرح أحدا، بل يحزن الجميع. 


وأول من يحزن على هذا الوضع هي الحكومة السعودية، فلا يمكن منطقا وعقلًا أن يتفجر الغضب على قطر من ثلاثة أشقاء خليجيين وفي هذا الشهر الكريم إلا وأن الوضع وصل الجرف، جرف الهاوية، وهنا لا خيار، لأنه لا يمكن تصور أن تكون على حافة هاوية وأخوك يدفعك من الخلف.. 



لذا وفي هذه الحالة يكون وجوبا عليك أن تستدير على أخيك وتجبره على أن يوقف حركته الخطيرة، فالأخ الأكبر السعودية صبرت طويلا على الدفع الخلفي طوال الطريق من واجب المحبة ولم الصف وتمنيًا بأن يعِ الشقيق الأصغر خطر ما يقوم بعمله، وبإصرار. 


ولم يعد للصبر أي معنى والجرف الخطير صار تحت الأقدام مشرفا على الهوة.



وأهل قطر هم منا ولنا ونحن منهم ولهم، إنها عروق تمتد بيننا وبين الأخ والأخت والعم وابنة العم، وما أتمناه أن يُبعٓد الناسُ عن أمور السياسة، وواجب قائدهم أن يقدم أمنهم ويحارب روعهم ويتنازل من أجلهم عن أي رأيٍ يتمسك به يهدد راحة معاشهم.



اللهم أرأب صدع بيتنا الخليجي قريبا سريعا.



طاب صيامكم


نحيب الزامل 


نجيبيات رمضانية-١٧



      نجيبيات رمضانية-١٧

في سؤال طويل بالتوتر من ريحانة الغامدي:


 إني أتساءل عن مرارة الحياة، ولا تقل لي كعادتك تفاءلي، فأنا متخصصة بالأدب الأوربي، ورأيت أكبر العقول مثل كافكا تشاؤمية واقعية، وإرنست همنجواي قتل نفسه والحياة دللته. كيف تفسر هذا؟



دعيني أوافقك أستاذة ريحانه بأن كافكا والذي كان مواطن الامبراطورية النمساوية-الهنغارية تشاءم لدرجة أنه درجت وصف الحيرة التشاؤمية في الغرب بالكافكية Kafkaesque . 



وواضح أنك قرأتِ جيدًا لفرانس كافكا فهو ولد يهوديا ومن الأشكناز وفي أمّةٍ فخورة بأرومتها الآرية العنصرية وبالذات ضد اليهود تعرض للتهميش والتحقير منذ طفولته، والأهم ضاعت روحه الدينية، والعقل الإنساني فسيولوجيا لا يتحمل عدم الإيمان .وبعض مفكري الآريين أصابهم لَبْس الجنون لفقدانهم الإيمان؛ كعقولٍ مثل نيتشه وشوبنهاور وماركس، لذا ضافت الحياة بعين ونفسانية كافكا.



وإرنست همنجواي يتفجر بنشاط فوق المعدل الطبيعي لأي إنسان كما قال صاحبه الأديب سكوت فيزتجيرالد، وأضيفي ُسكره الدائم ونزقه الناري وفراغه القاتل بعد انتهاء الحروب وفقدانه لروحانيته كما قال لفقدانه اتصاله الكوني.



وترين أن حيرة الهوة الروحية، وفقدان جوهر الحياة بوجودهم أثر على عقولهم.. فتلوث سلوكهم.



طاب صيامكم


الأحد، 11 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٦



                  نجيبيات رمضانية-١٦


تشرفنا، زملائي وأنا في جمعية شهداء الواجب (واجب)،  بالأمس بزيارة سمو الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية، . ولم تكن لي شخصيًا جلسة مع سمو الأمير سعود بدون أن أحظى واقتنص منه تأملات ولمحاتٍ إنسانية تكون دقيقة وغالبا ما تكون متوارية أو بعيدة عن أذهان البعض.

أعرف جيدًا لما تتوهج عينا الأمير وهو يستمع بعناية، اتصف بها بامتياز، ونحن نتحدث عن الجمعية الناشئة؛ عرفت أن خاطرةً لمعت بذهنه وبقلبه، على أن سموه من أساتذة أدب الحوار فهو لا يقاطع أبدا، ويبدأ برأيه بعد انتهاء آخر حرف من محدثه.

بالفعل انبرى الأمير بملامح تنم عن أمر إنساني دقيق يشغله، وهو ماذا عن الاهتمام بزوجة الشهيد؟¡ ومراعاة أمر دقيق ولطيف لا ينتبه إلا أصحاب الكشف الإنساني، وهو عن وضع زوجة الشهيد التي عادةً ما تكون في أول شبابها، ومراعاة الثقل النفسي التي تحمله وتتحمله ربما الأكثر بين أقارب الشهيد، وأن هذا يحتاج ذكاء نفسيا وعاطفيا لتهيأة الزوجة الشابة لحياة طبيعية كغيرها من النساء.

وهذا ليس أمرا سهلا فضلا عن أهميته لكل زوجة شهيد أو من قريباته. وسيكون نوعا من التحدي لنا بالجمعية أن ننجح به أيضا.. إنسانيا وعاطفيا.

*العبرة: لا يكفي أن تكون مسؤولا يؤدي واجبه، بل أن تكون مسؤولا "إنسانًا".. يؤدي أكثر من واجبه.

طاب صيامكم

نجيب الزامل


السبت، 10 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٥


           نجيبيات رمضانية-١٥

صديقي عبدالرحمن العبيد، يقول لي:

"كل ما تمنيته وعملت من أجله تحقق". 

كيف؟!


ما حققه صديقي أبو أحمد ليس بالمنافسة المادية، ولا التطاحن لمكاسب الوجاهة كهدف، إنما بما لديه في أعماقه لأهم عنصر لقيادة حياةٍ هنيئة وهو: الرضا.



الرضا هو السحر العجيب الذي بصنع جودة الحياة، ويشع بأنوار داخلية من السعادة والهناء والتوافق والتوازن مع معطيات الحياة الخارجية.



الرضا شيء كالمجدافين في قارب يشق الموج لمرساه. 

والرضا بكل تلك البهجة ناتج عن أعمال تفعلها تريح قلبك وضميرك وروحك واحتفالك بذاتك، فتولد طاقة من المحبة لنفسك ولعالمك المحيط فتكون سمات الشخصية التواضع والذكاء النفسي والاجتماعي والحياتي واستقبال كل مواجهات الحياة أيا كانت بعزم الجادين المتفائلين. 


هذه كلها تشكل الأرضية أو القاعدة التي يُشيد عليها بناء النجاح طوبة بعد طوبة، ثم طابقًا بعد طابقٍ للعلو.



وصديقنا عبدالرحمن يملك تلك المقومات برضاه النفسي والضميري والروحي بإيمانه الديني وببره الكبير بوالديه، وتولعه بمساعدة من يعرفه تطوعا ومبادرة وأحيانا بدون علم أحد.



لذا فعبدالرحمن أدام الله عليه سعادته وصل لما يريد ليس بالعمل وحده، فكثيرون يعملون ولا يصلون لأنهم يفقدون هذا العامل السحري الذي يملكه عبدالرحمن: الرضا.


اللهم امنحنا نعمة الرضا..


طاب صيامكم

نجيب الزامل


الجمعة، 9 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٤



نجيبيات رمضانية-١٤


إني من الذين يعتقدون أن بعض أمراضنا نسببها لأنفسنا. 

فأجسادنا مرآة لما نفكر وما نعتقد به.

 

جسدنا دوما يتحدث إلينا ولكننا لا نصغي إليه، أو أننا لا نحسن الإصغاء.


 ولو استمعنا لصوت أجسادنا لتغير نمط حياتنا وعشنا حياة أقل عِللًا وأمراضاً.

 

تأكد أن كل خلية في جسدك تستجيب لكل ما تفعل، وكل ما تقول، وكل ما تفكر أو تصدق به. وأكثر ما يضر صحتنا العادات السيئة. وكلها بلا استثناء، تحت مظلة معتمة اسمها السلبية. 


السلبية لا تبقى مسألة حالة أو مزاج أو سلوك، بل تؤثر سلباً في الدماغ، وفي بقية صحة الجسد. فالغاضبون مثلًا يفرزون هرموناتٍ مؤذية تضر أعضاء رئيسة في أبدانهم. وكذلك الغيرة والحسد والكراهية تأكل من لحمنا الحي، وتقودنا مع الزمن لمرضين؛ مرض البدن، واعتلال الذهن. 


وعينا المنطقي وحبنا الغريزي لأنفسنا يجعلنا لا نقبل أن نختار لأبداننا التهالك والتهاوي.


ويحق لأي منا أن يسأل: لماذا أضر نفسي ولا أحد يصله هذا الأذى غيري؟ فلتنصرف مشاعري السلبية إلى أغوار الأرض، ولأستقبل من الآن الإيجابية لأنها خيار صحتي. 


ولن أهتم بعد ذلك لمن يقول لي غير ذلك. فهي صحتي أنا لا صحته". 


نجيب الزامل 

الخميس، 8 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٣


نجيبيات رمضانية-١٣ 

"واج رونج" فلاح صيني، ذبح وريد يده منتحرا، لأن السلطات رفضت تعليم أبنائه في المدارس الحكومية. 


والسبب أن السيد رونج ارتكب الخطيئة الصينية الكبرى، وخالف التعليمات المغلظة لنظام الطفل الواحد الذي فرض على الصينيين من عام 1979 وهذا، تصوروا، منع أكثر من 400 مليون ولادة حتى اليوم، تاركة أكثر من 30 مليون ذكر لن يجد أنثى مقابلة له للزواج، لتعمد الأسر الصينية إنجاب الذكر وذلك بإجهاض الأنثى بطرق سرية وغير صحية. 



الذي قصم ظهر السيد رونج أن الحكومة الصينية لم تكتف بطرد أبنائه من المدرسة، فطالبته أيضا بدفع أربعة آلاف دولار جزاء ارتكابه للجرم الكبير بإنجابه أربعة أبناء،  لأن المسكين كان ينتظر صبيًا، فلم يأتِ إلا بعد ثلاث بنات!



لقد لعبت الصين بتوازنات الحياة.. وتستمر بدفع الثمن. 

*والعبرة:

 "ولن تجد لسنة الله تبديلا".



نجيب الزامل


الأربعاء، 7 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١٢


نجيبيات رمضانية-١٢

هل كل طريق أجزم أنه صحيح ستجزم أنت أيضا بصحته؟ 


من يحدد لنا الطريق الصحيح؟


 الحياة مرة واحدة ووقتها قصير، ولا يسع أن نجرب طرقا كثيرة، فلا بد من طريق نطمئن له في حياتنا وبعد مماتنا. 


تلك أسئلة ليست جديدة، سألها الفلاسفة من فجر تاريخ الفلسفة، وعاش الرواقيون أعمارا يناقشونها، وكان المعتزلة يطرحونها أمام أي موضوع.. وتبقى الأجوبة معلقة عبر كل العصور. 



لكننا لا نتكلم بحجم التساؤل الكوني، نتكلم عن أنفسنا، عنك وعني، وعن أسرتك وأسرتي. كيف أعرف وجدانا وعقلا الطريق الصحيح، وأسير عليه؟ 



معظمنا قلق. ولا أظن أن أحدًا يخلو من القلق على مصيره اليوم وغدا وبعد غد، ومصير أولاده من بعده. 


ما أؤمن أنا وأنت بأنه الطريق الصحيح، قد يراه غيرنا طريقاً ناقصاً ومستلباً.. لن تتفق البشرية على طريق واحد صحيح. 



ستصحو كل يوم وأنت تعيش على كوكب الأرض، ولا بد أن تعمل شيئا لأجلك. ضع أنت علامات طريقك، وكتف الطريق الذي لا تخرج منه.



 علامات طريقك كمسلم تتبع هدْي شريعتك، ثم بما تؤمن به عميقًا بقلبك، وتخطط له برويةٍ وتأنٍّ بعقلك، فتعمل على تحقيقه بجدٍ واجتهاد.



ثم اترك على الله ما يجري بقية الطريق!

نجيب الزامل


الاثنين، 5 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-١١

نجيبيات رمضانية-١١


الكتاب حياة:


أتذكر منظر جدي عبدالله العثمان الزامل وهو يقرأ بكتبه. 


كان يجلس على كرسي فوقه مخدة عتيقة لو نطقت لروت تأريخا، ويلصق رجليه خلف قائمتي الكرسي، ويفتح الكتاب بعناية وكأنه يفتح بوابة يدخل بها عالما غير عالمه، عالم سيأخذه بالكامل ويندمج به بكل كيانه وإدراكه ووجوده. 


كان جدي يصلح للوحةٍ تصور معنى أن تقرأ كتابًا. 

فهو يمسك الكتاب برفق الأم على وليدها الطري ويضع "مرطبة أصابع" ليفتح كل صفحة بلطف وكأنه يفك رقيقة ألماس. 


ويتتبع الكلمات بأصبعه على السطور وكأن الكلمات ستفلت وتتوارى. بعد فترة يرفع رأسه وينظر متأملا بعينيه، وكأنه يستلهم ما قرأه، أو يدرك فكرة شاردة.



ذلك المنظر المهيب أمامي كطفل ذي مخيلة جعلني لا أنفصل عن الكتب منذ كنت بالرابعة ابتدائي.


ورثت "مرطبة أصابع" جدي وقد جفت وعتقت، وتحنُّ لأصابع صاحبها رحمه الله.


وكجدي افتح الآن أي كتاب بطقس احترامي، فتنساح أمامي عوالم السحر والفائدة والمتعة.


طاب صيامكم..

نجيب الزامل 


نجيبيات رمضانية-١٠



نجيبيات رمضانية-١٠

التصور الإسلامي يدور محوريًّا حول حرية الحياة وكامل الوجود، ومن هنا يكون المدخل الحقيقي لفهم هذا الدين العظيم، الإسلام. 


من أهم قيم وحاجات الإنسان هي الحرية..

 وجاء الإسلام متفهما لحرية الفرد والجماعات تفهما كاملا غير مسبوق وغير ملحوق. 


لأن الرسولٓ صلى الله عليه وسلم جاء بأمر الله ليطلق الحريات ويحميها، ويصونها أيضا من العبث والبطش والاستغلال. 


خذ أن من الحرية الدينية لا يُكرِه الإسلامُ أحداً على ترك دينه أو إجباره على عقيدة معينة، بل تُركت لأهل الكتاب الحرية ليمارسوا شعائرهم وعباداتهم داخل المجتمع المسلم، فلا تُهدم معابدهم. 



أعلن الإسلام الحرية الدينية وكفلها للناس بصورة لم تعهدها كل حضارات الإنسان من قبل، ولا من بعد. 


دخلت جيوش المسلمين الأمم الكثيرة وهي ليست خالية بدون تحضر أو دين، فلها حضارتها وفلسفتها وموروثاتها وعقيدتها، وما كان للجيش المسلم القوي ذي العنفوان الممتد عبر مساحات آلاف الأميال أن يكره الشعوب على ترك كل ما يتعلق بهم من موروثات حضارية وعقائد يؤمنون بها.



لذا لما اعتنق معظمهم الإسلام، كان ذلك بكامل حريتهم.

طاب صيامكم

نجيب الزامل 


السبت، 3 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية-٩


نجيبيات رمضانية-٩ 

هل أتيحت لك الفرصة يوما أن تلتقي مجموعة من اللاجئين أو النازحين؟ ربما لا. ولكنك تشعر بما يشعرون ويواجهون؟ هنا تكمن إنسانيتك.


إنك متى شعرت وأحسست ولمست وأدركت أنهم أناس مثلك، فقدوا ديارهم، وأمنهم، وشُرِّدوا بعيدا عما ألِفوه من ناسهم، وما عاشوا فيه من أوطانهم، وصاروا مواكب حزن بشري بلا هوية، بلا مكان، بلا حاضر، وبلا مستقبل. 



يجرّون أنفسَهم ثقالى من ألم الأحمال، وأحمالهم هي الحزن والتيه والقهر والعذاب والضياع والظلمة وهرس كرامتهم في كل مكان كل وقت وكل ظرف. 



ستلاحظ أنهم يعيشون معًا، كل فرد منهم يستجدي أمانًا وهميًا من الآخر، كل منهم يلتصق بالآخر لأن كل فرد منهم وطن وملاذ للآخر. 


وبينما تتقاسم العائلات الطعام سويا على وجبات ثلاث في اليوم، يتقاسم هؤلاء المعذبون في الأرض وجباتِ العذاب طيلة اليوم. 



بشر مثلك ومثلي، آباء وأمهات وأخوات وإخوان وبنات عمومة وبنو عمومة مثلنا كلنا لايعرفون من خريطة الحياة سوى طريق الآلام.. 


الشعور بما يعانون يحرر ضميرك لتفعل لهم شيئا من أجل الله ثم من أجلهم.. ثم لأمر مهم: من أجلك أنت!


نجيبيات رمضانية -٨

نجيبيات رمضانية -٨


دعوني آخذكم إلى منطقة في منتهى الجمال، حيث يمتزج جمالُ السماء مع صخور الصحراء، وتمتزج الغيمات بالشلالات المنصبة في واحات الخضرة. وحيث يبدو العنصر الإنساني في تكامل جماله. 



وأعني ولاية الحكايا والأساطير وممر الفتوح والفاتحين، ولاية "راجاستان" في الشمال الغربي من الهند. وهي ولاية الملوك والأبهة والألوان والفخامة والتاريخ المزخرف بالأحداث عبر القرون، ومن إتاحات قصائد الحمة في مخيلات البراهما والنساك. 


وراجستان مصدرة لمعظم ممثلي "بولي-وود" والذين هم من تلك الولاية التي تزدحم بوسامة الرجال، وقوة بناء هيكلهم، وحسن النساء ورقة قاماتهن، وكذلك جمال وفخامة فيَلهم. إن الملوك والأباطرة وأصحاب الثراء والماهراجات في ولاية راجستان من المسلمين ومن الهندوس أدركوا انطباع العظمة وهالات المجد وهيبة القوة من فوق ظهر فيل.

هذا الفيل يا أصدقائي هو الغرور.



المغرور إنسان ضئيل في قيمته الحقيقية، ضعيف مهتز وغير واثق بنفسه وخائف من واقعه، لذا فهو يحتاج أن يعتلي فوق ظهر فيل الغرور ليبدو أضخم من واقعه، ضخامة زائفة.



والعرب يقولون لمن به مسٌّ من الغرور: "ركبه الغرور"

وأقول لكل مغرور احذر لا يركبك.. فيل!

نجيب الزامل


الخميس، 1 يونيو 2017

نجيبيات رمضانية -7

****


نجيبيات رمضانية -7 


كلما رأيت صديقَيْ علي ومحمد أشعر أنهما ينقلان لي جوا من السعادة والاطمئنان. 


فهما مبادران لأعمال الخير، وفي ملامحهما اطمئنان ومحبة، وأشعر أنهما في تصالح متوازن مع الذات، والعالم المحيط، وهو ما يتمناه أي شخص.


علي ومحمد كلاهما من المتعافين من الإدمان ويشعران، أن هذا مِنّة عظيمة من الله.


 لذا ترى صديقي علي من المتواجدين في الأعمال التطوعية الخيرية، ولن تمل عيناك من وجهه لأن كل شيء بملامحه تبتسم وبالذات عيناه الذي ترى من خلالهما أمانا وسكينة وحب. 


ومحمد مثقف كبير في الأدب الغربي وهو ما يفتأ أن يهديني الكتب في كل علم وفن طريف، وخصوصا فيما يتعلق بالإدمان وطبه وعلاجه، ويعلق على هذه الكتب بفكر المتفهم العميق. ومحمد يشعر أنه يمشي على سحابة من الاطمئنان والثقة.



علي ومحمد أعمل معهما من زمن في مسألة المدمنين المتعافين، ورغم الصعوبات التي صادفت تجمعاتهم إلا أنهم يبذلون ويجدون في البذل بدافع الحب لزملائهم.



هذا يقودني، وبعد قراءات متأنية بالكتب التي يرسلها لي محمد، بأن مواجهة الإدمان لا يجب أن تكون حربا وكرها، وإنما من نواح روحية وعاطفية ونفسية.



طاب صيامكم


نجيب الزامل

 

الأربعاء، 31 مايو 2017

نجيبيات رمضانية-6


نجيبيات رمضانية-6



لا بأس أن تخطيء في عملك، أو في أي مجالٍ من مجالات الحياة. فالخطأ وارد، خصوصا من العاملين. 


فكلنا نعرف أن أديسون قال وصلت للحل عبر أكثر من ألف خطأ. ليس العيب أن تخطيء نتيجة عملٍ واجتهاد، العيب ألا تعمل مطلقا وهذا هو الخطأ الذي يؤدي فقط لأخطاءٍ أكبر.



رجال الأعمال الناجحون يفضلون الشخص الذي يخطيء لأنه قام بعمل جديد، بمبادأة، بابتكار، لأنهم يعرفون أن هذا النوع من العاملين سيصلون بالنهاية لعمل يرفع أداء وأرباح الشركة. وطيعا لن يقبل أحدا منهم من لا يعمل، أولا يجرؤ على المبادرة.


المشكلة أحيانا عند بعض رجال الأعمال طلب الخبرة من الشباب. المشكلة بالخبرة أنها تكون إعادة للماضي، فيكون المشهدُ كما وصف أينشتاين حين قال أنه يعجب من شخص يكرر ذات العمل عشرات المرات ثم ينتظر نتيجة أفضل. لا يمكن!


والنتيجة التي أحب أن أصل إليها هو أن العمل والجد والاجتهاد بحد ذاته نجاح، وعلينا أن نكون أكثر إيمانا بأن المثابرة بالعمل ستأتي أُكلها بنهاية المطاف..



ألم يقل الله جلّ وعلا:"وقُلِ اعملُوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسولُهُ والمؤمنون"


طاب صيامكم


نجيب عبدالرحمن الزامل

الثلاثاء، 30 مايو 2017

نجيبيات رمضانية-5


نجيبيات رمضانية-5


لما دعاني الأستاذ عيادة العنزي لأكون ضيف حفل تخريج دفعة الثانوية بمدراس رواد الخليج، ولما بدأ الحفل اعتلى شاب صغير اسمه علي في الثاني ثانوي المنبرَ وبدأ يقدم الحفل بإنجليزية صافية بلا خلل ولا لكنة، وأعجبت بقدرته الفصيحة بالإنجليزية، فانعطفت للدكتور خالد السحيم نائب رئيس شركة الخليج للتدريب وسألته إن كان الصغير "علي" تلقى تعليما سابقا في الولايات المتحدة، وأكد أن كل دراسته في مدارس رواد الحليج.. فمغصني بطني!


حضرت حفلات مدارس عدة مثيلة هنا وبالرياض وبجدة، وبمعظمها تبرز اللغة الإنجليزية بثبات، ويحسن الطلاب التعبيرعن أنفسهم بلغة إنجليزية نطقا وكتابة بلغةٍ سليمةٍ وواضحة، بينما يُتأتون ويتعثرون بالنطق والكتابة باللغة العربية.


ثم.. وبسرعة زال ذاك المغص، حين اعتلى الشاب الصغير " حسين" ثاني ثانوي، وارتجل بلغةٍ عربيةٍ أذهلتني، بالنطق الصحيح للحروف، وبلا أي لحن، وبإجادة تامة لقواعد اللغة تعزّ على أحسن المتحدثين.



لذا فخرت بهذه المدرسة، وفخرت باعتزاز الأستاذ عياة العنزي بلغته العربية. 


ولما سألت الطلابَ المتخرجين وهم برازنتهم يبدون أكبر من سنهم:"هل تعبرون عن أنفسكم أكثر بالعربية أم بالإنجليزية؟"، فاجابوا جميعا: "طبعا باللغة العربية"!


طاب صيامكم

الاثنين، 29 مايو 2017

نجيبيات رمضانية -4


 نجيبيات رمضانية ٤

أنجح الناس، وأكثرهم مهارة في إدارة مقتضيات حياتهم، هم الذين يعرفون أن يتعاملوا ويتقبلوا الانتقاد.


تقبل النقد فن من فنون الحياة، ومن لايفهم في هذا الفن ولا يتقنه يتعثر في مسالك الحياة، فيضيعه إما الغضب وشدة العتب، أو التحسس الشديد الدي يفضي القلق ثم الكآبة.


ومن أهم فنون التعامل مع النقد الاحتفاظ بالصديق الناقد عن حق، أو ما يراه حقًّا، لأجلك.


الصديق الناقد الحقيقي هو الذي يطعنك من الأمام، ولم أجد قولا أجمل من هذا في حكمة التواصل والتعامل في العلاقات ولا كيفية التعبير الدقيق عنها. 



فعلا صديقك الحقيقي هو من يؤلمك مصداقًا للحكمة العربية التي تقول:"الصديق من أصدقك لا من صدقك". 


هناك أصدقاء البعض يعاف أن يراهم لأنهم يعلمون أنهم سيطعنونهم من الأمام وذلك بإظهار عيوبهم أمامهم ، وهذه الطعنة مؤلمة وموجعة، فيتحاشونهم، ويهشّون لمن يزيف عليهم مجاملة ونفاقا.


 ولم يعلموا أن صديقهم الذي طعنهمً من الأمام إنما ليخرج رصاصة سامة من عيوبهم توغلت وكادت تصل أحشاء القلب، وأراد إخراجها بسكينه الحادة وإنقاذ حياتهم.. أو إنقاذ سلوكهم.



طاب صيامكم


نجيبيات رمضانية-3



نجيبيات رمضانية-3


ابدأ رحلتك مع الحقيقة. 

الحقيقة يجب أن توقن إيقانا تاما أنها منجاة. 


ابحث عن الحقيقة التي في داخلك ويمنعها الخوفُ والرياءُ الاجتماعي فستجدها مشتاقة للظهور، بشوق للإنبعاث من داخلك الضيق إلى الكون الأوسع. 


ولا تقلق من الحقيقة فهي تعرف كيف تعبّرعن نفسها وتنطق بقوالب الكلمات، وتعرف كيف تدق أبوابَ قلوب الناس قبل أن تفتح أبواب عقولهم.


الحياة مع الحقيقة حياةٌ حرةٌ طليقة وكريمة، والحياة مع الكذب والرياء والنفاق حياة ضيقة، خالية من الكرامة وتطفح بالجبن. 


ولا تحسبنَّ أن الحقيقة يتيمة ومقطوعة ووحيدة، فهذا ما يُفهمك إياه الغارقون بحمأة الجبن والكذب، فالحقيقة تحيط بك بكل مكان. 


أنت حقيقة، مظاهر الطبيعة حقيقة، قوانين المادة حقيقة.. وكل ما خلق الله حقيقة.


ربي رقّني وهذّب طبعي، واحشرني مع الصادقين.

السبت، 27 مايو 2017

نجيبيات رمضانية -2

نجيبيات رمضانية- 2

عطفًا على حديث الأمس عن المتطوعين، وأن الناس - في أغلبهم- يستعدون لرمضان بألوان الموائد، وبقلة العمل، وبالنوم، وبالسهر، وبقضاء ساعات أمام الشيخ قليل الفضل، التلفاز. 

ما أنهيت كتابة واجب الأمس إلا ويحدثني أخي الفاضل عبدالحكيم السعدي متحمسا يريد كما قال أن يُفرح الشبابَ الذي يعملون بجهدٍ مُضنٍ، ولكن وهم بغاية السعادة، لتوزيع سلال الغذاء. 

لم يعلم عبدالحكيم- أو أنه يعلم- أنه منّ علي بالفضل بأن يدعوني كما قال لتحفيز الشباب وإسعادهم..

يا حبيبي عبدالحكيم، ما هذا القول العجيب؟ أنا أفرح الشباب؟! هم في غمرة أعمالهم مستغرقون بأمرين لآخر قطرة من كأسَيْ التحفزِ والسعادة.

النتيجة أني تلقيت أكبر شحنة من السعادة، منغمسا بالطاقة الصافية التي تدور في الجو، جو العمل، والنشاط، والمحبة، والانقطاع لعمل الخير التطوعي الخالص.

أشكرك عبدالحكيم.. وصفتك كانت ناجعة، فقد شفيتَ قلبي من كل قلقٍ وكدر.

طاب صيامكم..

نجيب الزامل

 

نجيبيات رمضانية -1



نجيبيات رمضانية- 1

استهل هذه الرمضانيات مهنئًا لكم بهذا الشهر الفضيل أعاده الله على الأمة الإسلامية وهي وشعوبها بحال أفضل.


في رمضان ظاهرة عمّت حتى بغتْ، وهي ظاهرة التكاسل والسهر، والتضَوِّي والتذمر والشكوى أثناء العمل. وصدّق تلك الظاهرة الجميع، الرسميون قبل الناس، فقصروا في أوقات العمل والإنتاج، وحمَّلوا تبريره على رمضان، ورمضانُ منه بريء.

قلت أن الجميعَ صدق ذلك، وأنا أرفع عذري لله تعالى فقد أخطأتُ بالتعميم. نعم، معظمنا صدّق ذلك، إلا المتطوعون. 


فالمتطوع يعمل قبل أي عضلة قبل أي دفقة أكسجين في خلاياه، بقلبه وبروحه.. والقلبُ والروح هما طاقتا البدن وهما محفزتا الجهدَ العضلي. 

لذا تجد المتطوعين يعملون على مدرا العام.. وعندما يأتي رمضان، على عكس تيار العادة للعموم.. يعملون أكثر.


طاب صيامكم.


الخميس، 25 مايو 2017

يومان.. ليسا كأي يومين


يومان.. ليسا كأي يومين

يوم الأحد الماضي والاثنين بالذات حفٓلٓا بأكبر حدث تارخي- بما أظن منذ إنسان الكهف- أن تعقد دولتان- أو طرفان- هذا الحجم التايتاني - لا أجد وصفا لضخامة هذه الاتفاقيات غير هذا الوصف الإغريقي- من التبادلات الموثقة بتوقيعي زعيمي دولتين معتبرتين. وتشمل معظم القطاعات الحيوية عسكريا واقتصاديا وتوطينا للتقنية. 



الاتفاقيات،مهما كانت، هي عبارة عن النوايا المؤكدة لطرفي الاتفاقية لعمل مستقبلي آتٍ. وكلنا نأمل أن تأخذ هذه الاتفاقيات المسار السالك لتنفيذ بنودها على الأرض ويصب مباشرة وأولا في رفع البلاد ومواطنيها صناعيا وتقتيا وفي مرافق الحياة الحيوية.


على أن المستقبل له أيضا مفاجآته وتقلباته بل هو من طبائع الأمور التي في ضمير الغيب أن تخبيء أسرارها، ولا تنكشف لنا في الزمن الحاضر. 


لذا يجب أن نحرص جميعا ليس فقط دولة بل حتى أفرادا، أن نساهم في تحفيق رؤى هذه الاتفاقيات ليس لأننا بذلنا بها مئات المليارات فقط، بل كي نعمل ونحرص ونتأكد بأن تلك المبالغ الهائلة ستعود إلينا بأرباح أضخم ماديا وعينيا ومدنية.. وحتى نفسيا.



ولما كنت في مؤتمر مكافحة الإرهاب والتعصب، وكان مؤتمرا مهما وعالميا أتى بوقته، رأيت عن قرب عن الوجه الآخر للتوجه في الرؤية الحاضرة والمستقبلية للتصدي لكل أشكال الإرهاب والتعصب في تعاون دولي حقيقي وجاد.. لأن الإرهاب كسيف أقليدس، معلق على أعناق كل دول العالم..


وآخر دليل للأسف: انفجار ما نشستر!

نجيب عبدالرحمن الزامل


أخطاء بلا آباء

 

أخطاء بلا آباء

من عادتنا، أو عادة بعضنا، التفنن في إيجاد المبررات لأخطائنا بدل لوم أنفسنا مباشرة. فيقوم أولئك البعض بسرعة وتلقائية برقية إلى التبرير والتعليق على الشماعات المختلفة على أي شخص أو أشخاص أو جهات أخرى. 


وهذا أحد أسباب إخفاق المجتمعات، إبتداءً من البيت الذي قد يصل للفراق بين عماديه، الأم والأب، بالتخلص من أخطاء أحدهما ورميها على الآخر؛ إما بأنه مرتكب الخطأ، أو مسبب الخطأ.. ويتعدى ذلك إلى كل مسؤول في دائرة مسؤوليته بالتدرج الهرمي، عندما لا يملكون الجرأة الأدبية والوطنية والإنسانية بالاعتراف بالخطأ.. 


وبالقياس أرى أنه كلما كان أفراد الأمة في مختلف مقاماتهم وطبقاتهم لديهم القدرة والشجاعة للاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليته كانت الأمة أكثر تقدما.. والعكس صحيح تماما. 


تجد اليابان متقدمة لأن المسؤول الأول حتى ولو كان قد عمل كل ما يجب عمله، وحدث أمر كارثي، يكون هو أول من يخرج ويعلن مسؤوليته وربما أخذته فورة مشاعر المسؤولية فيطعن نفسه بسكين في بطنه.. وهذا ما لا نريده طبعا لبطون بعض مسؤولينا!


 أظهرت دراسات وبحوث سيكولوجية أن الذين يخافون من الفشل، من شدة خوفهم، يضعون أهدافا وهمية، أو غير مقاسة، أو غير ملموسة حتى يتجنبوا اللوم وإشارة الأصابع باتهامهم بأنهم مخطئون. والمشكلة الرئيسة في هذا الطيف من الناس أنهم لا يعلمون أنهم اختاروا طريق الخطأ.. من البداية. 



أول العلاج والحل يبقى دوما وأبدا هذا الأمر الصعب والسهل.. الاعترافُ بالخطأ.

نجيب عبدالرحمن الزامل


السبت، 20 مايو 2017

رسالة لابنتي- الرسالة الرابعة والسبعون



رسالة لابنتي- الرسالة الرابعة والسبعون


      (١)

حبيبتي، ومليكة قلبي، 

أحدثك عن أمك التي تحدت الظلامٓ ، استبشارًا لمظان الأمل خلف سجف ليالي المرض.  


في يوم الاثنين فبراير ٢٠١٦، كنا، أمك وأنا، بانتظار نتيجة النتوء في صدرها، وكنا على وسادة من الاطمئنان بأن الخزعة التي أخذت من ذلك النتوء ستكون نتائجها حميدة.


على أن النتيجة كانت أسوأ كوابيسي، وأفظع مخاوفي، حين أخبرتنا الطبيبة أن النتيجة موجبة.


 ذهلت وكأن كلام الطبيب مطارق ثقيلة تنهار فوق رأسي، وأنت تعلمين حبيبتي أن صحة أمك في الأصل لم تكن كما يرام.. فبكيت .


نظرت لي أمك الحبيبة وقالت لي: "ألست أنت من تقول في كتاباتك، وفي لقاءاتك الإعلامية بأن والدتك تسميه مرض الرحمة، لأن كل ما يأتي من الله رحمة؟"

-"بلى قلت ذلك" أجبتها.


فردت: "وهل تحزن أن اللهٓ أراد لي الرحمة". 


عرفت بعد هذه الجملة أن أمك هي التي ستقوّينا كلنا وهي تبحر في أمواج الأدوية والعلاجات الكيماوية والإشعاعية.

.. وأشرقت أمك يا ابنتي رغم كل التعب والمرض، وكأنها في رحلةٍ علويةٍ إلى السكينة النفسية، وروحها تتسامي مع أنوار الشمس.


 بفضل الله ثم بفضلها، وكأننا جميعًا أراد الله لنا الرحمة.

شفاها الله..

ولا تنسي أني أحبك..

بابا 💌


الثلاثاء، 16 مايو 2017

الزيّانيّان

الزيّانيّان

عائلة الزياني عائلة عريقة تنغرس جذورها بالبحرين، وتمتد غصونها عبر الخليج. 


وللعائلة ادوار تاريخية في اليحرين تجاريًا وثقافيًا، ونبٓه من أفرادها الكثيرون، فتسيدوا المشهد التجاري والحكومي والفكري..


عبداللطيف بن راشد الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، رجل بشوش لا تغيب ابتسامته ويقود منذ سنين المجلس في أشد الأجواء عصفًا سياسيا واقتصاديا في الخليج والعالم العربي والعالم.


والمرور في حقل الشوك هذا، وفوق ذلك على حبل يهتز ويتطوّح يميناً وشمالا ومفاجئًا من أصعب الأمور للدبلوماسي كب لا يميل وينحرف فتجره السياسة الصرفة، وتنتزعه ظروف الاقتصاد. 


على الدبلوماسي حتى لو وقع على حقل الشرك أن يخرج منه بلا جروح، وهذا ما يفعله بحنكة الزياني، لما قابلته بمنتدى العمل التطوعي الخليحي المشترك بالكويت  وجدت ذات الرجل الدبلوماسي المحنك الجميل العبارة، وبذات الابتسامة المرحبّٓة.. وكأن لا شوك ولا أنواء ببحر الخليج.


الدكتور عادل الزياني والذي يقود الجناح الإنساني والتطوعي بالمجلس متعلم ومثقف ومتواضع بشكل مدهش، إلا أن أكبر صفاته هي القيادة الكرزمائية. والقيادة الجمالية لا تؤخذ من المدارس ولا تصنعها الشهادات إنما هي إلهامات وهبات علوية يهبها الله لمن يشاء. 


والذي يقلقني في القادة الكرزمائيين انه يعزّ أن تجد لهم بديلا، إنهم كالجوهر النادر.


لو صحّ لي، حتى يكتمل مشروع مظلة العمل الخليجي التطوعي العام، لألزقتُ الدكتور عادل الزياني بمنصبه بصمغ سوپر جلو!

نجيب الزامل


الأحد، 14 مايو 2017

إنها قلوبٌ كسيرة




         إنها قلوبٌ كسيرة 

نعيش في عالم فيه قلوبٌ كسيرة، والسبب وعود مكسورة.. العالم يطفح بكثرة الوعود، ولكنه أيضاً يفيض بنقض أكثر تلك العهود. 


عهودٌ تبدأ من أبسط الأشياء: 

تعِدُ صديقاً أن تهاتفه في الغد، ثم لا تفعل، 

شنسيت رغم حرصك، أم تعمدت المجاملة، أم أهملته، هم سواء بالنسبة إليه. 

إن انتظر المكالمة منك ولم تأتِ فسينكسر قلبُه، سيشعر أنك لا تعتبره شيئا في حياتك، لأنك لا تنسى الأشياء المهمة التي تخصك. 

وسيشعر بالإهانة والتقليل وهما جرحان مؤلمان يغوران في جسد الكرامة الفردية.. 


فكيف عندما ننقض عهودَ الحبّ والزواج، والشراكة الحياتية، والشراكة العلمية، والشراكة التجارية.. 

إن قلوباً ستنكسر، ومصائر ستتغير، وأنفساً ستتوه وتضيع. 


نضع الوعودَ في العقود للعاملين والعاملات ثم ننقضها ونتحايل على نصوصها، فتنكسر القلوبُ والمبادئ والشرف والنظام والقانون، واحترام الإنسان للإنسان. 

وموظفون كبار يقومون على خدمة الملايين ويعدونهم بجنة عدْن حيث المنِّ والسلوى، وإذْ أبعد ما ينالونه هي الجِنات.. 


بل تتعقد حياتهم الأرضية أكثر، فتنكسر القلوبُ، وتضيق وسائلُ الحياة، ويشتعل الغضبُ والاحتجاج، وتضعف عُرى الأمة.. 


كلها وعود مكسورة. أقرأ التاريخ.. لم يمرض البشرُ عقليا، ولم تتدهور مجتمعاتٌ، ولم تتهاو أركانُ أممٍ إلا بسبب وعودٍ مكسورة. 


الحلّ: أن نجبر تلك الكسور! 


السبت، 13 مايو 2017

رسالة لابنتي- الرسالة الثالثة والسبعون

رسالة لابنتي- الرسالة الثالثة والسبعون

حبييتي :

لا يعرف الشوقٓ إلا من يكابده

لم يعرف قلبي شوقًا يجعله لا ينبض إلا ودفقة دم واسمك متحدان متجاوران لا ينفصلان.. 


صحيح أن الشاعر قال عن معاناته بالشوق لحبيبةٍ اكتوى بنار عشقها، ولكن أين ذلك من شوق أبٍ لابنته التي ملأت عليه الدنيا، ثم أفرغت المحيطات والقارات هذا الامتلاء بوحشة الافتقاد.


حبيبتي:

سلامٌ من خزائن لطف ربي

علىٰ من عندها روحي وقلبي

إن الأبٓ المشتاق يابنتي، سهران لا تهجع مقلته، حائر في نهاره، وتائه في مساره..

أنتِ شمسٌ رحلت من أفق أبيك وأشرقت على محظوظين في قارة أخرى.. وقريبًا بإذن الله تعودين لسكنك وملاذك.. قلبُ أبيك.


إن قلتُ شمسًا كان حسنك لم يغب عني، وعندي بالشموسِ أوافلُ

كملت محاسنك التي في وصفها عجز البليغُ وحار فيها القائلُ

كله بعين حبيبك، أبيك.

ولا تنسي أني أحبك


بابا


الخميس، 11 مايو 2017

لأننا بشر-٢


لأننا بشر-٢

الحالمون هم الذين يغيرون العالم.


إن الحالمين يغيرون العالم لأنهم يغيرون الواقع المعاش. فحيث يقبل كثيرون ما تعودوا عليه في واقعهم، يكون الحالمون يأملون لواقع أفضل، ثم يعملون لأجله، فالحالمون لا يرضيهم واقع ما، فيعملون على خلق وقائع جديدة تكون فيها الحياة أفضل وأسهل وأيسر.


فالأنبياء هم حالمون بواقع أفضل وكذلك المصلحون والمخترعون والمكتشفون والمفكرون، من أجل المصلحة الإنسانية الأعم.


على أن الحالم سيبقى مجرد حالم مهما عظُم خياله، وتعبقرت أفكاره، إن لم يقدم على تنفيذها، وهذا التنفيذ يحتاج شجاعة. إن كامل الحضارة الإنسانية انتقلت من واقعها الأول إلى واقع متقدم بفضل امرأةٍ أو رجلٍ جرءا على المضي في تنفيذ أحلامهما، مهما تكالبت الاعتراضات وتعالى الرفض.


وأود التذكير أن التغيير ليس ضروريا أن يكون مذهلا، أو دراماتيكبًا، أو بخطوة كبرى عملاقة إلى لكواكب، وليس بالضرورة أيضا أن جللًا او مهيبًا. إن مجرد تغيير مهما صغر للافضل سيؤثر على من قام بالتغيير أولًا، ثم بأهله، ثم بأصحابه ثم يسري من مجتمعه الصغير إلى المجتمع العالمي. 


لم لا؟

أليست قوانين الطبيعة زرعها الله في ضمير الكون؟ أليس من ضمن قانون ديناميكا الهواء الرياضية بأن جناحٓي فراشة يهفان في الأمازون يمكن أن تسبِّبا إعصارًا في الكاريبي؟!


كل شيء يبدأ صغيرًا .. أو من الأفضل أن يبدأ صغيرًا.

فلا تخجل، ولا توارِ أفكارك.. مهما صغُرٓت!

نجيب عبدالرحمن الزامل 


الاثنين، 1 مايو 2017

لأننا بشر-1


لأننا بشر-1


لا ينبغي على أي أحدٍ منا أن يعيش محبطا وقلقًا، فهذا حق أنفسنا علينا.. مهما كانت الدواعي والظروف

حاذر أن تسلم نفسك لمزلق وكمين عقدة الضحية، وترتكن لها فتزيد صعوباتك ثقلا وتعقيدا، وتمنع عقلك أن يفكر بصفاء للعثور على المخارج وإيجاد الحلول.


بل أن هناك أمرا في مسألة عقدة الضحية والتشكي فيها وحولها، أنك ستفقد كرامتك كفرد، وتظهر بنفس مهترئة ووضيعة أمام الآخرين.. وهذا، متى وعيته، فلا يمكن أن تقبله على نفسك.. أبدا.


أزور مرضى بنوعين. مريضٌ يشكو ويسأل دومًا: "لماذا أنا من أصبت بهذا المرض؟ ما هذا الحظ العاثر؟" 


حتى أن زواره مهما طمأنوه إلا أن رتمَ الغضب والتذمر لديه يزادد ويتضاعف. 

وهذا النوع من المرضى للأسف تنقصف أعمارهم سريعا، نتيجة للإحباط والسوداوية ما يؤثر مباشرة على الجهاز المناعي فتنهار مقاومته للمرض.


وأزور مرضى لا تغيب الابتسامة عن ومحياهم، ويغلب على سلوكهم المثابرة والمجالدة، وتزداد لمحاتُ المرح والرضا في محاوراتهم مع زوارهم. غالبًا ما تزداد مناعة هذا النوع من المرضى، وبعضهم بتقارير مدعمة من مستشفيات معتبرة عبر العالم. وبعضهم لما يأتي وقت الحق يسلمون الروح برضى وسكينة وسلام.


بدءًا من الآن، من هذا اليوم، ازرع الثقة بالأمل والتفاؤل في نفسك وخاطب ربَّك راضيًا مقتنعًا، بما أن اللهَ كله خير، فهو لن يقدر لك من وراء ظرفك الحالي إلا خيرًا، وسلم أمرك لخالقك.. ثم اعمل من أجل أن تُنْهِض نفسك من ظرفك الصعب أيّا كان، وأنت بكامل اطمئناك، وبكامل قوتك. وهنا تكون قد أوفيتَ نفسَك حقها.


نجيب عبدالرحمن الزامل

‏01‏/05‏/2017م  

​​​​

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

رواقُ فوزية..


 

رواقُ فوزية..

 

لم تكن زيارتنا لتونس أخواي جمال ومحمد وأنا طويلة، فلم تتعدى ثمانية وأربعين ساعة، ولكنها بالزمن العاطفي تحسب بما يبدأ ثم يبقى معك، حتى يكتب الله لك أمرًا مقضيا.


وما أصدق أينشتاين بنسبية الزمن، وكأن العواطف والرياضيات يجرون بمضمار كوني واحد.

بدأ الموضوع من الصديق الدكتور صالح السحيباني أمين عام المنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر، ويده اليمنى السيدة هوازن الزهراني، الذين دُعِيا لجامعة الزيتونة في تونس العاصمة، ولفتهما عراقة معهد الحضارة الإسلامية التابع للجامعة. ولاحظا تآكل وتداعي مكتبتها التي هي عقل المعهد منذ تم تشييده. وحز بهما أن تكون مكتبة تابعة لجامعة من أعرق جامعات العالم الإسلامي بهذه الحال. 


ولن أنسى لهما جميل الظن بأن مشروع تجديد وتأهيل المكتبة ربما يهمني لكوني مهتما بالتراث الإسلامي في الأندلس وشمال أفريقيا، وعرضا الأمر علي، إلا أن أكثرنا حماسة كان أخي الأصغر محمد.


ولمحمد بالذات حكاية تروى مع المعهد ومدير المعهد وأساتذته وتلاميذه، فقد سبق أن ذهب محمد قبلنا بأسابيع للإعداد للمشروع والإطلاع على ما تحتاجه المكتبة لتخرج حسناء رافلة بالثياب القشيبة من المظهر والكتب. وتمّ كل شيءٍ بسلاسةٍ غريبة، فلم تصادفنا عائقة واحدة رغم كل ما يقال عن البيروقراطية العربية والتجمد الأكاديمي، وما توقعناه خطأ أنهم قد يأنفون أن يقوم بهذا العمل متطوعون من خارج تونس.. على أن كل شيء جرى كنسيمٍ بحريٍّ لطيف في أول الربيع.



لما وصلنا تونس، تفاجأنا ببساطة البناء بكل شيء، فعينَيّ ارتاحتا قبل قلبي، فلا ناطحات سحاب تسد الأفق، كلها بنايات صغيرة بيضاء تعانق الأرض، ثم أن تونس فيها نظافة لافتة، فقد دخلنا ازقة فقيرة، نعم فقيرة.. ولكن في غاية النظافة. وقطعًا شعبٌ نظيف هو شعب راقٍ.


وبمكتب الدكتور المعروف عبداللطيف أبو راس رئيس المعهد الذي يدرس به طلاب من ثمانية عشرة بلدا، كان معنا متطوعون من قطر يتقدمهم معالي الدكتور الفخم فعلا محمد المعاضيد.. إلا أن البوعزيزي كاد أن ينسى روح المجاملة وغرق بوصف حبه وإعجابه وتعلقه بمحمد حتى توقعناه أنه لن بنتهي إلا بعد ايام.. وفيه نفسه شيء من محمد. فشعرت بالغيرة وقلت ضاحكا للحضور: "هيا نحتج وننصرف". على أن أحدًا منهم لم يتزحزح.


بوقت المحاضرات، بقاعة جميلة حنونة ملمومة بسيطة تراكب فيها الطلبة والأساتذة كتفا فوق كتف، تكلم أولًا السيد الدكتور المعاضيد وأفصح عن قليل بما في دماغه المعرفي الثقيل، ثم تلاه الدكتور السحيباني الضليع لغةً وخطابةً وقفزت عيناي من مغارتيهما وأنا أراه يكتب قصيدة من رأسه مباشرة على الورق، ثم قرأها فالتهبت الأيادي بالتصفيق.


ولما جاء دوري قلتُ للجمع:"من يُحشَر بين عبقريين يضيع". فما وجدت لنفسي مخرجاً إلا أن أحاضر عن الحب. حبُّ الله أولًا، ثم حبنا لجامعة الزيتونة ومعهدها، وحبنا لحضارتنا العربية، وحبنا الإنساني الذي جمعنا تحت سقف القاعة التي تحولت قلبا واحدا ينبض حبا، وحب معالي مدير المعهد وأساتذته وطلابه لمحمد الذي لا يكاد يسير من التمامهم حوله. 


ولم ينس أخي جمال أن ينوه – بما أنه مدبِّر المال- بأن يذكر بأنه حرص على توسيع المشروع بآلات متناظمة من الحواسيب، وأردف: "سنحافظ على المعهد"..ثم ضحك: "حتى لو تخلى عنه نجيب!"


وجاء وقت الدموع لما بدأ أقدم خريجي جامعة الزيتونة الأحياء، المفكر الإسلامي "شريف محمد قلنزة" بإلقاء خطاب بديع الفصاحة بالعربية، ثم دعا لزوجتي طويلا.

نعم فقد تم اختيار اسم زوجتي التي علموا بقلقي عليها لتسمَّى المكتبة "رواق فوزية".


ولما أزيح الستارُ عن اللوحة التذكارية وشاهدت اسم زوجتي رفع الله عنها، غُمَّ علي.. ولم أعد أرى من الدموع.



نجيب عبدالرحمن الزامل


الجمعة، 7 أبريل 2017

زمن المعجزات


           زمن المعجزات


منذ فترة كتبت عن الإيمان بالمعجزات، مؤكدا على أن زمن المعجزات باق لا يزول، وأمضي الآن زاعما بأن من لا يؤمن بالمعجزات فهو ليس واقعيا! 


البشر، منذ القديم وهم يقطعون الصحاري ويشرعون في البحار، ويتبعون البوصلة والنجوم في عرض المحيطات، ويعبرون الأنهار، ويتسلقون الجبال، ومشوا على القمر، وأرسلوا المجسات إلى كواكب المجموعة الشمسية.. هذه كانت، قبل أن تصير وقائع في المخيلة، من المعجزات.



ستجد من يسخر من كلمة معجزة، ويعتبرها شيئا من الخرافة المعطلة للعقل في ظل هذا العالم الذي يحكمه العلم وتسيره وسائل التكنولوجيا. 


ولكننا نؤمن بأن المعجزات ما زالت تحدث وأنها لن تقف أبدا عن الحدوث. والسر هو.. الإيمان العميق!



إن الإيمان بالمعجزة، هو دافع للعمل لتحقيق النجاح، فالإيمانُ أقوى من الأمل، لأن الأمل هو تمني الشيء بأن يحصل، بينما الإيمان هو الاعتقاد بأنه سيحصل، والفارق كما ترى فارق شاهق. 


إننا، مثل أي أمة في الدنيا، لنا مشاكلنا وصعوباتنا الحياتية المختلفة اجتماعيا واقتصاديا ومعاشيا، وهذه دعوة بأن ننشد البلوغ إلى الإيمان، وذلك بالعمل الجاد والتفاؤل العميم لتحقيق معجزة أن تقوم أمتنا، أمة في صدر صف الأمم.. 



القوانين الحتمية التي تصنع معجزة النجاح وتخلع عنا أدران البطالة والتأخر ليست بسن القوانين الإلزامية التي تصدرها الأنظمة الرسمية لمواجهة مشكلة ما، ولكنها القوانين الحتمية التي نصلها بالعمل الجاد والنية الصادقة والجهد الذي لا ينقطع.. والإيمان بأنه لا شيء يهد من عزمنا. 


أن نؤمن بأن الزمن الذي نودع فيه السلبية ونستقبل فيه الأمل المجبول بالعزم والتصميم قادم، ولن يأتي من حاله إن لم نحرك نحن مولداته. هناك كثير من العمل ينتظرنا، وكثير من الإبداع في عقولنا يريد الخروج، وفيض من الذكاء يعمر الرؤوس، ويبقى لنا أن نؤمن ونثق بأنفسنا بأننا نستطيع العمل لتحقيق ذلك، وهذا يحتاج إلى أن نزيد من مساحة التشجيع، وأن نمسح مساحات التحذير والموانع وإنذارات التأنيب والعقاب.. 


فإن العقل والعمل لا يعملان إلا في أفق مفتوح.


نحتاج إلى التغيير، كل لحظة أو درجة تغيير إيجابية ستوجد فارقا هائلا للأمام.. 


هل أتكلم عن معجزة؟ نعم، وأنا أؤمن بالمعجزات!


الثلاثاء، 21 مارس 2017

أعوام الظلام

 أعوام الظلام

                                الجزء الأول

أعوام الظلام ملحمة إنسان قرأتها كتابا ثم اكتملت بأبعاد أعظم وأقرب لما جمعتني الظروف مع بدر المطيري من الكويت مؤلف الكتاب. وهو عن قصته التي تهز الضلوع داخل الصدور. 


أروي لكم قصة واقعية.. لن ألوم أحدا منكم لو رآها من نسج الخيال، أو سيناريو لمسلسل خليجي، لولا أن قُدر لي أن تتقاطع حياتي مع خط حياة بدر الذي جرت عليه القصة التي تذهل العقل، وتفزع العاطفة.


إنها قصة، بل ملحمة عشق إسطوري، وعذاب إغريقي ذلك النوع من العذاب الذي يبدأ ولا ينتهي. 


قصة الظلم الاجتماعي، قصة عوالم السجون، وأبطالها وضحاياها، قصة الهواء العطن في الزنازين، ورائحة الجلد الإنساني برٓهٓقِه وعرقة، قصة الإجرام داخل ما يسمى بإصلاحيات السجون..


قصة الظلم في أقصاه، والقهر في منتهاه.


عرفت تلك القصة المذهلة في كتاب مذهل يحمل غلافه الأسود وشاحات الأحزان، وعنوانه يفتح لك بوابة المعاناة الملحمية التي تنتظرك بين الصفحات. 


صفحات تنضح هياما لمحبوبته منار التي رفعها لمراتب القديسات ومصاف الملائكة، بنت العائلة الراقية والنافذة في الكويت، وهو من عائلة من المجتمع السائد..


 منار التي قال انه لا يمشي فوق خطاها حتى تبقى تلك الخطوات طاهرة بالعطر والنور. 


منار التي فقدها للأبد قبل أيام من موعد زفافهما لأن خطأً فظيعًا وقع عليه.. ودمر حياته حين حكم عليه ظلما وهو بريء سبع سنوات مع النفاذ، وسنوات أخرى مع قضيته بالمحاكم، فضاعت سنوات من عمره، أدخل السجن في ريعان العشرينيات ويعيش الآن معاناته وهو يقترب لوسط الأربعينيات.. إنها أعوام الظلامٓ


حتى بعد أن خرج بدر من السجن وما جرى عليه بعد ذلك من مِحنٍ تشيبُ رأسٓ الوليد، إلى أن جلس معي في مكاني بالرياض ساعات يروي معاناته، وأنا أصغي ذاهلا.. وأحيانا مبتسما، وهو يشرح عمق تعلقه بحبيبته منار حتى أنه يضرب بصدره، وكأنه يريد إخراج قلبه لي، ليريني كيف أن لم يبق في قلبه إلا منار. المرأة الوحيدة التي عشق ولا يظن أن امرأة أخرج تستطيع اخراجها من قلبه.. لأن منار ستبقى بقلبه ما دام قلبه ينبض بالحياة، نعم كنت ابتسم لعظمة هذا العشق الذي تعدي قصص العشق التي روتها شهرزاد لشهريار في ألف ليلة وليلة..

قلت كنت أصغي مبتسما أحيانا، لكن...


أبكي في أكثر الأحيان.


ألقاكم بإذن الله في الجزء الثاني


الاثنين، 13 فبراير 2017

صديقي الإسباني.. الذي رحل

       صديقي الإسباني.. الذي رحل

.. في العاصمة الفيلبينية كان الناس يستوقفونه لجمال عينيه اللتين كانتا بلون عسل أزهار الجمال، ذلك اللون العسلي المذاب بأشعة الشمس المذهبة، وكان يلفت أنظارهم بابتسامته العذبة وأناقته الخاصة، مع وجه تحيط به لحية خفيفةٍ، أخذ اللونان البني الخشبي مع الأبيض الجليدي يتمازجان ليكملا شخصية جذابة توحي بأولئك الفنانين المنقطعين للفنون كرسالة حياة. 


ولما كنا نجلس في أي مكان يبادر الموجودون للانجذاب لشكله وهندامه ولطف إيماءاته، وربما سأل بعضهم: هل أنت أسباني؟ ولكثرة ما ترددت هذه الصفة، أطلقتُ عليه رفيقي الإسباني.


وبالفعل فعبدالله السالم المحفوظ تجد نظراءه في شبه جزيرة أيبيريا، وجنوب أيطاليا، واليونان.



هو ابن خالتي، وكنا ثلاثة تتشكل الحياة بوجودهم لونا يخصهم، ومشاعر تخصهم، وخصالٍ تخصهم .. والتصاق بجمال الدنيا وناسها، وشكر عميق للخالق الأعلى لما وضع لنا ومعنا وفينا من سهولة اكتشاف ما على الأرض من جواهر البشر والخلق بأنواعه وضروبه.


 

كنا نسافر معا غالبا، أو اثنين إن لم توافق الظروف طرف ثالث، نؤمن بالبساطة ومباشرة الناس والتداخل معهم بأنواعهم، وكنا نسعد أن يتحلق حولنا الناس بأي مكان نكون فيه.. وتتعالى الضحكات، ورائدنا دوما في إضحاك قلوب الناس قبل أفواههم هو الحبيبب عبدالله.


كان الطرف الثاني، هو أول من سبقنا مغادرا الحياة بعد أن تقبل مرض الرحمة برضى وسكينة، وهو صلاح السحيمي ابن خالي، رفيقي الدائم وصديقي الصدوق، رحيله هز الأرض من تحت قدمٓي.. بعدها لم أعد أسير باتزان


عوّض غياب صلاح بالنسبة لعبدالله ولي وجودنا مع بعضنا وحبيبنا الرائع أخوه سليمان شكل لطفا قويا في قلبينا، كما أنه ارتبط بأخيه عبدالله ارتباطا صمغيا حتى كادا لا يفترقان..



عبدالله إنسان فوق العادة بصفتين أخريتين، وهما المحبة والرحمة الصافيتان. فهو رئيف بكل روح، وتحب أن تحبه كل روح.. بالفلبين كان صغار يتسولون في الساحة بين فندقنا والسوق، بناتٌ وأولادٌ صغارٌ يسألون الناس، فإذا بامرأة تضرب طفلة على رأسها بحقيبتها، ورجلٌ يركل صغيرة كما تركل الكُره.. عبدالله ذهب للصغار وصار يغني ويقوم بحركات مضحكة لهم حتى أننا وصلنا السوق ونسى الصغارُ أن يمارسوا التسول معنا.. الغريب لما خرجنا تركوا "عملهم!" وجروا نحونا وهم يقلدون حركات عبدالله ويتضاحكون وأوصلونا فندقنا بدون أيضا أن يسألوا نقدا، كما يعملون مع الآخرين.


وصارت جوقة الأطفال تتابعنا مجيئة وذهابا كل يوم يضحكهم عبدالله بحركاته وهم يقلدونه، وضحكاتهم البريئة تتعالى في الجو. ثم صار عبدالله يصر أن يفترش مكانا معهم، ونأكل معهم ما نحضره من طعام طازج ربما يتذوقونه لأول مرة بحياتهم.. وربما لآخر مرة. 

المنظر الحزين كان ونحن نغادر للمطار. اصطفت جوقة الأطفال أمام الفندق حزينة بعيون ودامعة يعرفون أن هذا الإنسان المغادر يعني أن سعادتهم بأن يلتفت لهم أحد ويحبهم.. سترحل معه.



أمي الحبيية تحب عبدالله حبا خاصا وهو يحبها كذلك.. تحبه لتعلقه بحب أسرته الصغيرة من زوجةٍ محبةٍ، وفتاتين رأيا بأبيهما كل شيء بالدنيا، ورأى بهما كل شيء بالدنيا، وبرعايته لأخت الوالدة الكبرى، أمُّه، رعاية يغطيها بعينيه، حتى رحلت خالتي راضية عنه وعن اخوانه وأخواته.. 

نحن نرى أمنا قريبة لله كثيرا، وكانت وهي تترحم عليه تقول: "ابني الحبيب عبدالله يغبط على قربه لربِّه".

إذا يا حبيبي عبدالله أمي تقول عنك ذلك.. فليتك تخبرني ما مدى قربك لله؟

ولعلك الآن يا حبيبي، بأمر الله جلّ وعلا، في روضٍ مزهر.

وبرجاء الملتقى حبيبي عبدالله فإني لن أودعك.. وسأكتفي بمكابدة الشوق إليك.

اخوك المشتاق،

نجيب عبدالرحمن الزامل


الخميس، 9 فبراير 2017

أربعُ سنوات ونحن معًا

أربعُ سنوات ونحن معًا

لماذا ينبغ بعض القياديين؟


 لأنهم يملكون الشخصية الجيدة، والجمالية الأخلاقية، ولأنهم يملكون الثقة وقت الأزمات والصعوبات في المرور مع من يشرفون عليهم ببراعة من أنفاق هذه المُلمّٓات والتواءاتها. 


وبمقدرتهم مراقبة ومعرفة نقاط الضعف والقوة في من يعملون معهم وفي أفراد ومجموعات المجتمع العام. 

وهم يملكون القدرة النادرة على لجم الغضب والاندفاع بدواخل أنفسهم فيبدون خارجا كسطح البحر الرهو وفي الأعماق تضطرم أمواج مكبوحة، فتصفى رؤيتهم وتتجلى أفكارهم في اتخاذ القرارات السريعة الصحيحة في المواقف الحاسمة.



هؤلاء القادة النابغون يمتلكون أمرًا بغاية الحساسية وهي ادراكهم لذكاء الشارع، أو ذكاء رجل الشارع، فتنطلق رؤاهم من احترام ذلك الذكاء، فأكبر أخطاء القياديين الآخرين تحجيمهم لذاك الذكاء فتفاجئهم قرارات يأخذونها  برودد أفعالٍ ضدها تربكهم وتربك إدارتهم،

القادة النابغون يمكن أن يوجدوا أمام زحام الجماهير، أو بين آلاف التقرير وبحس تلقائي يستطيعون بمسح بسيط أن يتبينوا الأرضية التي يجب أن يقفوا عليها أو المنصة التي يجب أن ينطلقوا منها.



وأهم صفات القادة النابغين الانضباط الشديد واحترام الوقت، فالكونُ كله مبنيٌّ على هندسة الوقت والزمن، وهذه أجل الصفات وتاجها.



عشنا معك يا أميرنا الحبيب سعود بن نايف بن عبدالعزيز أربع سنوات.. خلالها عرفنا معنى القائد النابغ.

والسلام



نجيب عبد الرحمن الزامل


السبت، 4 فبراير 2017

رسالة لابنتي

رسالة لابنتي


الرسالة الثانية والستون 



حبييتي: 


هناك غفوة تأتي من دواخلنا، فننسى أصحابًا،

أو ننسى جميلاً أو معروفًا، أو ننسى مناسبةً لحبيب، أو نتناسى الوصل العائلي، ونتناسى شيئا من القيم والأخلاق، ونتناسى اللطف الحلو المذاق.


ونتناسى بناء ذواتنا وتطويرها في القراءة والاطلاع.


ونتناسىالإيمان بالعمل، وأنه لا تنفعنا إلا أعمالنا. 



لذا علينا يا حبيبتي أن نفتح الباب على الطابق الداخلي في بنائنا الذاتي، ونزيل ما علق بجدرانه من آثار الغفوة الداخلية.


أنزلي لطابقك الداخلي ونظفي حوائطه لتعود بيضاء لامعةً كما كانت في البدء والأصل.


واصلي عملية التنظيف في قاع أرضه ليكون براقا صافي النظافة.

ورتبي محتوياته ليكون في الرفوف العليا كل القيم الجميلة والسلوك الراقي.


ثم افتحي نوافذه، ليدور في المكان الهواء نقيا رقيقا، وليتدفق الضوء فيطهّر وينير بيت نفسك الداخلية.


وحينها ستجدين أنكِ صرت خفيفة تحلقين بمجازات الجمال والسعادة والرضا. 


ولا تنسي أني أحبك.

بابا

الثلاثاء، 24 يناير 2017

أبناء المقيمين هل يحملون نفس ولاءنا؟


أبناء المقيمين هل يحملون نفس ولاءنا؟

 

يسأل السيد حامد الحربي:

لقد أشرتَ بكلمتك بجامعة الفيصل بمعرض حديثك عن الولاء في الأنثروبولوجيا، وبودي لو تعرفني عليه تفصيلا؟


كلا، حبيبنا حامد، تفصيلا هذا مبحث يأكل مجلدات. ولكني سأستعرض لك بسرعة المعنى، وهو رأي أراه أنا ولا يعني أنه الصحيح. اعتبره من سائر القول واعْمِلْ به، وقرائي، الأحباب فكركم.


وكنت نتكلم وقتها كما أذكر بنادي أدبي الأحساء وليس بجامعة الفيصل إذا كنت تقصد تلك التي بالرياض، بمناسبة مبايعة للملك سلمان بن عبد العزيز عاهل البلاد.



أنظر أن ولاء الإنسان لوطنه ينشأ بحكم الاعتياد، والاعتيادُ أمرٌ لو انتبهنا له قد يكون من أول وأهم أسس الولاء او الحب. بمعنى لو نشأ ولدٌ من صغره عند عائلة وهو لا يمت لهم بصلة بيولوجية كتبنٍّ أو غيره، فإنه سيحب وينتمي ويكنّ الولاءَ لهذه العائلة كما لو كان ابنهم البيولوجي، وحتى لو فرضنا أن بعد عشرة أو عشرين من السنين تعرف على عائلته البيولوجية لربما فضل أن يستمر مع العائلة التي "اعتادها" أي نشأ بأحضانها منذ وعي على الدنيا.



إذن الولاء الوطن ينشأ أولا وتأسيسا بحكم العادة، وهذا يجعلنا نفكر بأبناء المقيمين معنا من العرب والأجانب الذين ولدوا على أرضنا، هل هم يحملون نفس الولاء للوطن كما نحمله نحن الأصليون؟ مبحثٌ يطول، ولكني أميل أنه نعم يحملون ذات الانتماء في الظروف "المعتادة" إن لم تتدخل ظروفٌ أخرى. ودولٌ كثيرة متقدمة منحت جنسياتِها للمولودين على أرضها وعاشوا بها، وبعضهم فقط لكونهم ولدوا على أرضها، وهذه السياسات الآن تتعرض لإعادة تقييم لما استحدث في المشهد العالمي من ولاءاتٍ أخرى أما دينية أو حزبية.



وهذا الذي سميناه الاعتياد هو المظلة الشعورية، وهي تظل أمرًا شعوريًا مهمًا آخر وهو "الألفة"، بحكم التعارف والتواصل والاطمئنان، والألفة تقود للمحبة، والمحبة تقود للدفاع عمن نحب.



الولاءُ أظهر ما ظهر في الأدب والفكر، فوجدنا في أطمار التراث العالمي من كهوف فرنسا والسويد وما بين النهرين وبعض المناطق التي عثر عليها الأركيلوجيون في المملكة والبحرين وعمان والأردن ومصر، والهند، وشمال أفغانستان على قصائد محفورة وقصص أسطورية وملاحم تفصح عن حب الوطن والقبيلة والعشيرة، وحتى مجموعات الصيد في سهول السافانا.


وأيضا موضوع يستحق التأمل وهو الشعور الحماسي الذي نسمعه في القصائد والأناشيد الوطنية للدول الأخرى، هل نهتزّ لها بوجدانٍ عميقٍ لكون القصيدة أو الأنشودة أثرت فينا كشيءٍ مستقل لا علاقة لها بأي وطن، وإنما أمر وجداني صرف؟ أم أننا نسقطها على أوطاننا؟ 


فقُلْ لي: من لا يهتز وجدانه وطنيا وهو يسمع هذه الأبيات من شوقي؟:

وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عنه       نازعتني إليه في الخُلْدِ 



نفسي

لا أظن أن خليجيا أو مغاربيا أو مشرقيا عربيا لا يهتز قلبه لهذا البيت، هل لأن حب مصر انتقل إليه؟ أم لأنه أسقط كلمة "وطني" على وطنه؟


.. أو، لأن السعودية ومصر وطنٌ واحدٌ، ويجب ألا يفترقا؟!


نجيب عبدالرحمن الزامل

 

الجمعة، 20 يناير 2017

رسالة لابنتي

رسالة_لابنتي

الرسالة الثامنة والخمسون  


حبيبتي: 

متى كانت آخر مرة ظننتِ شيئًا ثم تبين أنك مخطئة؟ 


عليكِ يا ملكة القلب أن تتعودي أن تتٓحرّي الحقيقة وتعرفينها، لا أن تخمنّيها وتظنّي بها. هذه قاعدةُ حياةٍ يا ابنتي. وكيف يتسهل لك معرفة الحقيقة؟ 

ممتاز.. 


من الحكمة أن تبادري بطرح الأسئلة لمعرفة الأجوبة لا أن تخمني الأجوبة قبل الأسئلة. 

كما عليك أيضا إفهام الطرف الآخر، فوق طرح الأسئلة، صراحة بما شعرتِ به أول الأمر. 


عدم طرح الأسئلة فيما يقوله أو يصرح به الآخرون يترك مسافة فارغة غير محمودة للظنون والشكوك والتصورات، وهذا يكون عادة بدافع التسرع والاندفاع مما يشكل خطر سوء الفهم. 


سوء الفهم هذا حبيبتي، أؤكد لكِ، ليس على الصعيد الشخصي فقط بل على صعيد الحضارات السببُ الغالب للكراهية والتجافي والعراك والانفصال والحروب.


كل ما عليك لتفادي خطر سوء الفهم والتفاهم.. فقط، اسألي!


ولا تنسي أني أحبك💌

بابا

الأربعاء، 18 يناير 2017

أنا الإنسان

أنا الإنسان

 في كل خلية مفردة وكل جزء من التركيب الجيني في أجسادنا تنطويملحمة أربعة ملايين سنة من تاريخ الحياة والكون .. فسبحان من خلق!


في التأمل العقلي والوجداني كونيًا خلال أربعة عشر مليار سنة خلقالله فيها الكون بقدرته وعلمه نجد أن الكونٓ ما زال في تشكل سدّميوغازي ومادي، وبهذه المادة المحيرة الشاسعة المسماة بالمادة الداكنة بما يمثل مشهدا مهيبًا؛ قماشٌ أسودٌ يحيط بكل جرمٍ وكوكبٍ ونجمٍ ومجرةوأفلاكٍ ورُجُمٍ وشهبٍ ونيازك.


نجوم ولِدت وتشكلت، ونجوم تفجرت وانتهت بالوعة هائلة للمادة والضوء بعمليات تتسعّر بها انفجاراتُ النجوم وترسل ضياءً يبقى بعد رحيل النجمة بدهور.


 وتكونت أرضُنا من تلك المادة الكونية وصارت صخرة هائلة جوالة بمدارٍلا يحيد حول الشمس بينما تنبعج سطوح الأرض لتبزغ الجبال عبر رحلةالأرض التي ما زال يشوبها احمرار الصهيد، وانفلقت البحار فيمخاض الأحقاب. 


وقارات طفت فوق البحار غرقت وظهرت بصخبأوقيانوسي تحت النظر الكوني، هذه المشهديات الكونية الضاجة هدأت،وارتخت الأرض لتغلف نفسها بالهواء ولتجتمع عناصر تكفل الحياة .. كل هذه عند الصانع الأعظم مر بوقت برقي الإعجاز لا تعيه عقولنا،وندركه بوجداننا وإيماننا جسورا تصل حواف كون روحي. سبحان منخلق!

 فمن أنا؟


 الإيمان والعلم يرفعان الحيرة الفردية البشرية عن السؤال المعلق علىمشجب الزمن: من أنا؟ أنا طينة من خلق المولى الأعظم، في تركيبيالحي يكمن القمر والشمس والماء والهواء والجبل والأقيانوس العميق، أناالإنسان من خلق مترابط من غبار النجم إلى ذرات النهر وسفّ الرمال. 


رابط حيوي كوني واحد بعناصره من خالق واحد ليس له شريك. ولكن .. منذ سحق العلمُ أصغر ذرةٍ إلى أن مسح بمراصده ومجسّاته مردةٓالمجرات، من اكتشاف مادة صخور قمم الجبال الشواهد، ومخلوقاتالأعماق الفرائد، وكشف الإنسان الفخم للخريطة الجينية داخل كل نوعحي اليوم، ينفتح الستار عن أعظم قصة من كل ما عرفناه وتداولناه وتوارثناه من القصص .. إنها قصة خلقنا. 


هذا أنا، الإنسان بأي لون بأي مكان بأي لسان وبأي طبقة معجزة من معجزات ربي تمشي على الأرض عدل الله بيننا جميعا وكرم جنسنا جميعا. فمن نحن حتى نحكم على بعضنا بعضا؟


الهي .. ما أروع السياحــــة فـي ملكوتك.



نجيب الزامل 


الاثنين، 16 يناير 2017

‎رسالة لابنتي

‎رسالة لابنتي

الرسالة الخمسة  والخمسون.


‎"كيف يمكننا محبة ناس بغييضين؟ وأنت أنكرت علي ألاّ أحبهم يا بابا؟"

نعم صحيح يا ابنتي، فإيماني المطلق أن المحبة أصل في بُنية عواطف البشر، كما تقول الفيزياء أن النور هو الأصل وما الظلام إلا انسحاب جزئي للنور.


الله خلقنا كي نكون خيّرين بالفطرة. لذا أتمنى عليك حبيبتي النظر للآخرين بعين الروح كي تصلين لأعماقهم الجميلة التي خبأتها أوهامُ الكُرهِ وهوس المنافسة والخوف من الفشل، بطبقاتٍ لا تخترقها إلا عين الروح.


‎معنى ذلك أن تتركي أول انطباع سلبي عن واحدة تلتقينها لأول مرة،

إنه انطباع عين المادة، لا عليك من زينتها وبهرجها وغرورها وصلفها،

فعين المادة لا تخترق تلك الطبقات التي توصل للقاع الجميل،

 وما أن تتأمليها بعين الروح ستجدين أن حبًا وخيرًا وبداخلها،

 وستعرفين عندها كيف ستلمسين ذلك القاعٓ الصافي، وستؤثرين بها، وسترين أنها ستفرح، ربما أكثر منك، لأنك حررت الحبّ والخيرٓ داخلها.

وسترينها جميلة، طيبة.. وحبّوبة!

‎ولا تنسي أني أحبك💌

‎بابا